الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تعرض لي رجل في الشارع وأشعر باللوم لأني انسحبت ولم أرد عليه!

السؤال

سألني أحد الأشخاص في الشارع عن موقع "سنترال"، وقال إنه يبيع أعشابًا طبيعية لكسب رزقه، لم أشأ إحراجه، فقررت الاستماع إليه، ثم بدأ يسألني عن عمري، وهل أنا متزوجة أم لا، بحجة أن بعض الأعشاب قد تضر.

وأثناء الحديث، تطاول بألفاظ لا تليق، مثل: "شكلك متزوجة" أو "سبق لكِ الزواج"، وذكر أعشابًا لتكبير مناطق معينة، مدّعيًا أنها ستفيدني.

شعرت بالصدمة، وكأنني عاجزة عن الحركة، أو الرد، ولم أعرف ماذا أقول أو كيف أتصرف، كل ما فعلته أنني انسحبت ومشيت، لكن منذ تلك اللحظة وأنا ألوم نفسي، ومتضايقة، ولا أعرف كيف أتعامل مع الموقف.

أشعر أنني السبب، رغم أنني أرتدي ملابس واسعة، ولا أؤذي أحدًا، لا أفهم لماذا يحدث لي هذا!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة/ Lolo حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتَنا الفاضلة- في الموقع، نشكر لك اهتمامك، وحسن عرضك للسؤال، ونحيّي أيضًا مشاعرك النبيلة، واستماعك لذلك الرجل الذي تكلّم عن بيع الأعشاب الطبيعية، وما حصل منه بلا شك مزعج، ولكن ولله الحمد، لقد أحسنتِ التصرف حين أحسنتِ الاستماع، ثم انصرفتِ بهدوء.

وعليه، أرجو ألَّا تلومي نفسك على هذا الموقف؛ فقد كان تصرفك مثاليًا، من كونك جبرتِ بخاطره، واستمعْتِ إليه، وفي كونك تحكّمتِ في أعصابك، فلم تُعطي ردودًا على كلماته التي خرج بها عن حدود الأدب، وما كان ينبغي له أن يتكلّم بالطريقة المذكورة، وأحسنتِ كل الإحسان عندما انسحبتِ بهدوء؛ هذا كلُّه يدل على أن تصرفك صحيح في جميع الأحوال؛ لأنك لو حاولت الردّ، أو النقاش، أو الرفض الصريح، لكان لذلك انعكاسات سلبية، وربما أعطى صورة مخالفة للصورة الجميلة التي نشأتِ عليها.

بقي الآن أن تخالفِي الشيطان، الذي سيحاول إعادة هذا المشهد إلى ذهنك ليحزنك، ويجعلك نادمة، وسيقول: لماذا لم تفعلي؟ ولماذا توقفت؟ ولماذا انسحبت؟ والإنسان لا يقول: "لو أني فعلت كذا لكان كذا" ولكن يقول: "قدَّر الله، وما شاء فعل"، فإن (لو) تفتح عمل الشيطان، كما ورد في الحديث.

والإنسان يتعلّم من المواقف، ويستفيد من مثل هذه الدروس، وعليه نحن ننصحك –وننصح كل فتاة– ألَّا تقف مع رجل على انفراد، إذا كان سيطيل الحديث، أو يتعمّد الحوار معها دون وجود أحد، أمَّا إن كان الحديث في مكان عام وبين الناس، فلا حرج عليها في الاستماع له، أو أن تردّ عليه السلام إذا كانت في وجود جماعة، أمَّا إن كان الحديث خاصًّا، وبدأ يطيل الكلام، فالأفضل ألَّا تدخل نفسها في مثل هذا الموقف، دفعًا للفتنة، وصيانةً للحياء.

هذا من الناحية الشرعية، لكن نحن نريد أن نقول: الذي حصل لا لوم عليكِ فيه، والحمد لله أيضًا مظهرك -كما أشرتِ- كان محتشمًا، ولبسك واسع، ومحترمة، وتصرفت بطريقة صحيحة، وكان انصرافك تصرفًا سليمًا.

فإذا ذكّرك الشيطان بهذا الموقف، فتجاوزي هذا وادفعيه بذكرك لله وبالاستغفار، واعلمي أن همّ الشيطان أن يُحزن الذين آمنوا، كما قال الله تعالى: {لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [المجادلة: 10]، فعاملي عدوّك بنقيض قصده، وتجاوزي هذا الموقف الذي حدث، هذا الكلام الذي ربما تستمعين إليه لأول وهلة، ولكن هو كشأن أي بائع يحاول أن يعرض بضاعته، ودفعه الفضول إلى أن يسأل بعض الأسئلة؛ كلُّ ذلك قد سكتِّ عنه، فكان السكوت أبلغ، والسكوت من الفتاة دليل على حيائها، والانصراف دليل على الذكاء، وأنك انسحبت بمنتهى الهدوء، دون أن تُحرجيه، دون أن تفتحي له فرصة لمزيد من الأسئلة، فكان تصرفك سليمًا بنسبة 100%، وأنت تُشكَرين عليه.

فاخرجي من دوّامة لوم النفس والحزن على ما مضى، واستقبلي حياتك بأمل جديد، وبثقة في ربنا المجيد، وأنت ونحن وكل إنسان يتعلَّم من تجاربه ويتعلّم من المواقف التي تحصل له، ونحمد الله -تبارك وتعالى- الذي ألهمك الصواب، ودلّك على حسن الأدب، وهذا دليل على أدبك، فلم تتجاوبي مع هذا الرجل، ولم تردّي على أي سؤال في غير مكانه، ثم انصرفتِ بعد ذلك بمنتهى الهدوء، وهذه رسالة عظيمة وصلت له، كما أنها رسالة عظيمة تعكس حسن تربيتك، وحسن تصرفك.

نسأل الله أن يعينك على الخير، وأن يلهمك السداد والرشاد، هو وليُّ ذلك والقادر عليه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً