الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

رفضت الخاطب لهيئته وخوف الفتنة.. هل فعلي صحيح؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا أبلغ من العمر 22 عامًا، وقد تقدّم لي منذ فترة خاطب تتوافر فيه جميع الصفات التي أتمناها، ولكن لم أشعر بالارتياح بسبب بُعد المسافة بيني وبين أهلي (حوالي ساعة)، إذ أشعر أنني سأكون قلقة دائمًا عليهم، وسأشتاق إليهم، فرفضته.

لكن بعد ذلك، شعرتُ بضيق، وتساؤلات: هل كان ذلك هو النصيب وقد رفضته، أم أن النصيب لا يُرفض أصلًا؟

وحاليًّا، تقدّم لي خاطب آخر، على خلق ودين، وقد تقدّم لي ثلاث مرات تقريبًا، لكنني لم أشعر بقبول لهيئته، فرفضته، كما أنني رفضته لأني أخاف على نفسي من الفتنة، وأخشى أن أُبتلى بعدم غضّ البصر، فأحاول تقبّله ثم لا أستطيع، وأجد نفسي بعد مدة أقارنه بالرجال الآخرين، فهل ما أفعله صحيح؟

كما أودّ منكم النصيحة، فأنا كثيرًا ما أكون مشتتة ومترددة جدًا في اتخاذ القرارات، خاصة في مسألة قبول الخاطب أو رفضه، وأشعر أنني لا أرغب في الابتعاد عن أهلي، فأنا البنت الوحيدة وسط إخوة من الذكور.

وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ زينب حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك في موقع إسلام ويب، ونسأل الله أن يرزقك السكينة والتوفيق، ويجعل لك من أمرك رشدًا، ويهبك الزوج الصالح الذي تسكن إليه نفسك، ويطمئن إليه قلبك، ويكون لك عونًا في الدنيا والدين.

نحيي فيك هذا الحرص النقي، والصدق في طلب الحق، والحذر من الانجراف وراء العاطفة أو الضغوط، وهذا يدلّ على نضج فكري ووعي إيماني مبارك، فزادكِ الله رشدًا وبركة.

أولًا: بخصوص الخاطب الأول: قولكِ إنكِ رفضته بسبب المسافة (ساعة بينك وبين أهلك)، يدلّ على رغبة صادقة في البر بوالديك، والوفاء لهما، وهذا أمرٌ محمود شرعًا، ولكن نُذكّرك أن:

المسافة التي بينك وبين أهلك -ساعة واحدة- لا تُعدُّ بعدًا قاسيًا، بل تُعتبر في زماننا هذا مسافة قريبة، ويمكنك زيارتهم باستمرار، أو ترتيب زيارات دورية دون مشقة تُذكر، ولو كُتب لك الانتقال مع زوج صالح، فإنك لن تبتعدي عن والديك، بل سيكافئك الله ببِر مضاعف: بر بزوجك، وبر بوالديك.

وكونك شعرتِ بضيق بعد الرفض، فلا يلزم أنه هو النصيب الذي ضيّعته، بل ربما هو مجرّد تأثر نفسي طبيعي بعد اتخاذ قرار كبير.

الخلاصة: النصيب لا يُفوّت، فإن قدّر الله أن يكون من نصيبك سيعود، وإن لم يقدّر، فثقي أن الله صرفه رحمةً بك، وما عند الله خير، فلا تفكري فيه ولا تتأسفي على ما مضى؛ لأن ما رحل لم يكن مقدرا لك.

ثانيًا: بخصوص الخاطب الثاني: تردّدك في قبوله رغم خُلقه ودينه؛ بسبب عدم تقبّلك لشكله وهيئته، وخوفك من أن تتأثّري لاحقًا بالرجال من حولك، هو تردّد واقعي وصادق، ولا يُلام عليه الإنسان، بل الشريعة قد راعت هذا المعنى؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "انظر إليها، فإنه أحرى أن يُؤدم بينكما"، أي أن النظر إلى المخطوبة لمعرفة مدى القبول أمر مهم جدًا؛ لأنه يؤثّر في المودة لاحقًا.

وهنا ضوابط مهمّة: إن لم تجدي قبولًا لهيئته مطلقًا، رغم تكرار النظر، والتفكير، والدعاء، فلا حرج في الرفض؛ فالعاطفة جزء من السكن والمودّة، والله تعالى جعل بين الزوجين مودة ورحمة، فإذا غابت المودّة، ضَعُف الاستقرار، أمّا إن كان عدم التقبّل مجرد تردّد نفسي، أو وساوس، أو مثالية زائدة في الشكل، فنوصيكِ بأن:

- تنظري إلى أخلاقه، وصدقه، واستقامته.
- تسألي نفسك: هل ستطمئنّ روحي إليه لو صبرتُ قليلًا؟
- تدعي الله أن يُريكِ فيه خيرًا، أو يصرفه عنكِ بلطف.
- لا تقبلي بمن لا يطمئن له قلبك، ولا ترفضي لمجرد خيال الشكل وحده، بل اجمعي بين العقل والدين والعاطفة بهدوء.

ثالثًا: حول التشتّت والتردّد: ما تشعرين به من تردّد في اتخاذ القرار أمرٌ طبيعي في مرحلة الزواج، خاصةً إذا كنتِ البنت الوحيدة، ولديكِ ارتباط نفسي كبير بعائلتك.

وهنا نضع لك خطوات عملية:
1- الاستخارة بصدق:
صلِّي ركعتين، وادعي بدعاء الاستخارة بقلب خاشع، ثم لا تنتظري رؤيا أو علامة، بل لاحظي بعد ذلك: هل تسهّلت الأمور واطمأن قلبك، أم تنغلق الأبواب ويزداد النفور؟ فاتبعي ما يُقدّره الله بعد الاستخارة، وثقي أن الخير فيه، ولو خالف هواك.

2- الاستشارة: شاوري والدتك أو قريبة تعرف طبعك وتفهمك، فإن المرأة تُعين أختها بما قد لا يدركه الرجال أحيانًا، اختاري عند التردد الأرجح لا الأكمل:
فأنتِ لن تجدي الكمال، لكن اختاري من ترجّحين أنه سيكون زوجًا يرضي الله ويسعدك.

3- التفريق بين الخوف النفسي والمانع الشرعي: إن كنتِ ترفضين لمجرد الخوف من البُعد أو لخيالٍ عن الشكل، فراجعي ذلك، أما إذا لم تشعري بالطمأنينة، أو وُجد نفور لا يُحتمل، فذلك قد يكون علامة صرف من الله.

وننصحك بخصوص الخاطب الذي أزعجك شكله أن تستشيري بعض محارمك؛ فإن وافقوك على رأيك فلك الحق، وإن اختلفوا فلا بد من وقفة، وإن رأوا خلاف ما ترين، فراجعي نفسك، فربما كان ذلك من وساوس الشيطان ليفسد بينك وبينه، واعلمي أن من حيل الشيطان أن يفرّق بين شخصين على طاعة وتوافق.

ختامًا:
أنتِ على خير وإيمان ووعي، ولا يُلام أحد على التردد في الاختيار، فاختيار شريك الحياة قرار مصيري، ثقي بالله، وخذي بالأسباب، واستخيري، واستشيري، ثم امضي بقلب مطمئن، ولا تخافي من ضياع النصيب، فالقدر ما اختاره الله لك، وهو واقع لا محالة، وفيه الخير لك بعد بذل الجهد والسعي.

نسأل الله أن يُقدّر لك الخير حيث كان، ويرضيكِ به، ويملأ قلبكِ نورًا ويقينًا وطمأنينة، والله الموفّق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً