الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أتعبتني الوساوس في طهارتي وصلاتي، فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

من فضلكم، لدي وساوس كثيرة منذ أن كنت في الإعدادي، في الوضوء والنية والصلاة والغسل، وكذلك وساوس كفرية وغيرها.

ومنذ عامين، عند دخولي الجامعة، صار عندي غازات كثيرة، وصرت أسمع أصواتًا في الأسفل لا أظنها من المعدة، ولا أعرف متى يتوقف خروج الريح ومتى يخرج؛ لأن لدي إمساكًا، فأحس دائمًا بالحاجة إلى الإطِّراح ولا أستطيع، وهذا – فيما أظن – ما يجعل الغازات عندي كثيرة، فاعتبرت ذلك سلسًا، وصرت أتوضأ لكل صلاة.

كثيرًا ما يحدث أنني عندما أدخل المرحاض قبل الصلاة، أحس بتراكم داخلي وبحاجة إلى الإطراح، لكن لا يخرج شيء بسبب الإمساك، فأتوَضَّأ للصلاة وأصلي، وبعد الصلاة أعود إلى الحمام فيخرج مني، فصرت أعيد صلاتي، فهل عليَّ أن أعيدها كل مرة؟

وعندما أرغب في الوضوء، أستغرق مدة طويلة في النية، وأكرر الوضوء مرارًا لأني أعتقد أنه انتقض بسبب تلك الأصوات، ولا أدري أهي حقيقة أم لا؟!

وأحيانًا أحس برغبة في خروج الريح فأجلس أنتظر خروجه، وأحيانًا أنتظر طويلًا ثم لا يخرج، وهذا ما يجعلني دائمًا متأخرة في أداء الصلوات، مع أني أعلم أن الدين يسر، وأن الوضوء أسهل عمل، لكن هذا ما فعلته الوساوس بي.

ونفس الشيء في الصلاة، أستغرق مدة طويلة في النية، ثم في تكبيرة الإحرام حتى أنطق الألف والحروف الأخرى جيدًا، ثم في الفاتحة، وهكذا أقطع الصلاة كثيرًا وأكررها.

والغسل كذلك، أخشى من عدم وصول الماء وعدم الموالاة، فأقطع وأعيد مرارًا، حتى صرت من أكثر المبذرين، كما أنني صرت لا أحب أن أكون خارج بيتنا وقت الصلاة؛ لأني لن أتمكن من الصلاة مع وساوس إصابة النجاسة للثياب، ومع هذا التكرار والزمن الطويل الذي أستغرقه. وحتى في بيت جدتي لا أبيت عندهم بسبب هذا الأمر، رغم قلة زياراتي، وفي الجامعة لا أدري كيف سأصلي الظهر!

انصحوني، بارك الله فيكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مروة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

في الحقيقة، ومن خلال رسالتك، أدركتُ معاناتكِ في الوسوسة، ويظهر عليكِ – للأسف – أنكِ استسلمتِ لها، أي لهذه الوساوس الشيطانية، بدليل قولكِ: لدي وساوس كثيرة منذ كنتُ في الإعدادية.

فأقول: أين الهمة في مقاومة ومدافعة هذه الوساوس الشيطانية منذ سنوات؟ وهذه الوساوس أصلًا عبارة عن أفكار وخواطر وتهيؤات تتكرر على ذهن الإنسان فيظنها حقائق، وإنما هي توهّمات تحتاج إلى همةٍ عاليةٍ في مدافعتها.

وللأسف، لعدم مدافعتكِ لهذه الوساوس، تعمقتْ فيكِ وصارتْ في مواطن كثيرة: في الحمام، في خروج الريح، في الغازات، في الوضوء، وعند الصلاة، في تكبيرة الإحرام والنطق بها، وأيضًا قراءة الفاتحة والنطق بها كما ذكرتِ في رسالتكِ.

ولذلك سأحاول أن أوجز لكِ الحل، ولكن لا بد أن تعلمي أن الحل بيدكِ أولًا، ويحتاج إلى همةٍ عالية، وهذه الحلول مشتملة أيضًا على أجوبة لأسئلتكِ المطروحة في السؤال، وسيكون جوابي كالآتي:

1- حاولي مدافعة هذه الوساوس الشيطانية بكل ما تستطيعين، لأن الشيطان قد أفسد عليكِ حياتكِ، وتلاعب بكِ في أمور العبادات من خلال إعادة الوضوء، وإعادة الصلاة، وإعادة تكبيرة الإحرام، والفاتحة، شيءٌ كثير لا ينبغي إهماله، فلا بد لكِ من الهمة العالية ومدافعة هذه الوساوس.

2- إذا وسوس لكِ الشيطان بأن عبادتكِ غير صحيحة – مثل أن يحدّثكِ أن الوضوء غير صحيح، أو تكبيرة الإحرام، أو أنكِ على غير وضوء، أو لم تتوضئي وضوءًا كاملًا، أو لم تقرئي الفاتحة – فلا تستسلمي لهذه الوساوس، بل دافعيها وقولي في نفسكِ: المتقبّل كريم، وهو الله سبحانه، ولا تعيدي شيئًا من هذه العبادات.

3- كذلك ما ذكرتِه من وصول الوسوسة إلى حد الأمور الكفرية، فأعرضي عنها، واعلمي أن الإيمان – إن شاء الله تعالى – ثابت، وإذا جاءتكِ هذه الوساوس الكفرية فاستعظامكِ لها يدل على الإيمان.

وقد ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه: «أَنَّ نَاسًا مِنَ الصَّحَابَةِ جَاءُوا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا الشَّيْءَ لَأَنْ يَخِرَّ أَحَدُنَا مِنَ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ، فَقَالَ: وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: ذَاكَ صَرِيحُ الإِيمَانِ» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

4- وبالنسبة للغازات الكثيرة، إمّا أن تكون تهيؤات ووساوس فأعرضي عنها، وإمّا أن تكون حقيقة ومتكاثرة، فحكمها أن تُلحق بمَن حَدَثُه دائم، فإذا توضأتِ للصلاة عند دخول وقتها فصلي، ولا يضركِ ما خرج من الغازات؛ لأن هذه صلاة دائم الحدث، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها.

5- لا بد من المحافظة على الأذكار، وخاصة أذكار الصباح والمساء والنوم، وعليكِ بقراءة آية الكرسي، وسورة الإخلاص، والمعوذتين: الفلق والناس.

6- فكّري كثيرًا في عاقبة الاسترسال مع هذه الوساوس، وأنها سببت لكِ حرجًا خارج البيت، سواء كان عند أقاربكِ أو في الجامعة، حتى أثرت عليكِ في أداء صلاة الظهر في الجامعة.

وفي الأخير: أسأل الله تعالى لكِ الشفاء من هذا المرض، وأن يعافيكِ، وأن تتغلبي عليه، آمين.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً