الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زوجي يغرس في أبنائنا كراهية أهله، فما واجبي حيال ذلك؟

السؤال

السلام عليكم.

أنا امرأة متزوجة منذ 24 سنة، ولدي ثلاثة أطفال، زوجي يغرس فيهم كره إخوته وآخرين، وعلى أتفه الأسباب، حتى إنه يهددهم إن تواصلوا معهم، ولا يمكنني مناقشته أو إبداء رأيي، فهو شديد العصبية، وكثير الشكوى، ويخاف من الإصابة بالعين، حتى إنني أخاف أن أطلب منه شيئًا، رغم أنه ميسور الحال، وكلما تقدم في العمر، ازداد هذا الطبع سوءًا.

أما من جهتي، فأنا أحرص على تذكير أولادي بأن هذا التصرف لا يجوز، وأخاف أن يكتسبوا من طباعه، وأخاف أن يحاسبني الله؛ لأني لم أفارقه، أدعو الله كثيرًا أن يفرّج ما أنا فيه من مشاكل.

وجزاكم الله كل خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ندى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

يظهر من كلامكِ -رعاك الله- أنك تتحدثين عن زوجك وعن تأثيره على أبنائكم بالتكريه في أهله وإخوانه، والتشديد في نهيه للأبناء عن التواصل معهم، مع كراهتكِ أنتِ لهذا الأمر، وسعيك في توجيه الأبناء، وعدم قدرتكِ على مصارحة الزوج بذلك بسبب ما وصفتِه من شدة العصبية.

إن كان ما فهمناه من السؤال دقيقًا، فنسأل الله لك العون على هذا الدور التربوي المهم، وأن يجعل الله البركة في المجهود الذي تقومين به لتحبيب أبنائك في صلة رحمهم، إذ صلة الرحم من أعظم أبواب الأجور وصلاح الأحوال، وجاء التحذير الشديد من هذا القطع في قوله تعالى "فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ" (سورة محمد، الآية 22-23).

ونوصيك بتحري الحكمة في التعامل مع الزوج؛ إذ إن طبيعة غالب الرجال أنهم يأنفون من توجيه زوجاتهم لهم، ولو كان كلامهم صحيحًا، وهذا مخالف لمقتضى التواضع للحق الذي هو ضد التكبر، وقد عرَّف نبينا -صلى الله عليه وسلم- الكِبْر بأنه (بطر الحق وغمط الناس)، أي رد الحق واحتقار الإنسان لهذا الناصح، وللأسف فإن هذا جزء من التصور الخاطئ في بعض مجتمعات المسلمين بسبب البعد عن الوحي وأدبه.

أما ما ذكرتموه من كثرة شكواه مخافة الإصابة بالعين بما يمنعك من طلب شيء منه، فلم يظهر المقصود من كلامكم، لكن ما يمكن التوجيه به هو التأكيد عليه بالمحافظة على الأذكار والتحصينات الشرعية، واتخاذ ما يمكن من التدابير المعتدلة التي تقي من العين دون دخول في سوء الظن، أو الحذر الزائد المعطِّل عن العمل، وجيد لو استعنتِ ببعض المحاضرات التي تتناول هذا الجانب، وتدعو للاعتدال فيه، ويمكن أن تُسمعيها له بطريقة غير مباشرة، كأن تقومي بالاستماع إليها في أوقات وجوده في البيت، فتصل إليه الرسالة دون أن ينتبه أنه هو المقصود.

وواضح من تقييمكِ لأسباب الدعوة للمقاطعة أنها أسباب لا تستحق، فلعل من الحكمة أن تستثمري أوقات الصفاء التي تكون بينكما لتصلي إلى حقيقة الأسباب التي جعلته يدعو أبناءه لمقاطعة إخوانه، فلربما كانت هناك أسبابًا أعمق يُخفيها عنكِ رغبة في الستر، وعدم توسيع دائرة من يعرف هذه الخلافات، فربما لو عرفتِ هذه الأسباب -ولو كانت غير مُقنعة بشكل كامل- ساعد ذلك في تفهُّمك لأسباب هذا التصرف الغريب.

وتبقى نقطة مهمة، وهو ما ذكرتِه من خوف الإثم بسبب عدم طلاقك منه، فالذي يظهر من السؤال أن هذا العيب في الزوج ليس مما يستوجب طلب الطلاق، إذن يمكنكِ التعايش معه والسعي لتخفيف أثره، لا سيما وقد مضى على زواجكما قرابة ربع قرن من الزمان، بل هو أحوج مع تقدُّم السن إلى أن يكون قريبًا منه من يستطيع فهمه، ويكون قادرًا على التعامل الحكيم معه، ونحسب أن عندك من هذه الصفة ما يحقق المقصود، كما أن الظاهر من حال الأولاد أن منهم من عمره كبير نسبيًا، بما يجعله قادًرا على أن يكون له -أو لهم- دور تدريجي في إعانة زوجك الذي هو والدهم على تجاوز هذه الصفات السلبية.

أما خوفك من أن هذه الشدة في تعامله مع أقاربه تزداد كلما كبر، فلعل الأقرب هو أن تخفَّ مع الزمن؛ لأن الإنسان إن كبُر ينتابه حنين لمن كان يجمعه معهم شيء من العلاقة، وعبق الماضي الذي ولَّى، ويقل عنده الحرص على استيفاء الحقوق، ويزيد عنده التسامح، وإذا كان إيمانه حاضرًا، فإن شعوره بتقدم العمر، واقتراب الموت سبب من أعظم أسباب تليين القلوب، وقلة حمل الضغائن في النفس.

كما أن موت بعض هؤلاء الإخوة قد يدفعه للمسارعة إلى تحسين العلاقة مع من بقي منهم، وعلى أقل تقدير فإن الأبناء يصبح عندهم من الاستقلالية بسبب السن ما يجعلهم متواصلين مع أعمامهم وأهلهم، قادرين على إخفاء هذا التواصل عن والدهم، بل ربما قدروا على إعادة المياه إلى مجاريها بين أبيهم وإخوته.

نسأل الله أن يصلح زوجك، وأن يصلح معه حالكم وبالكم، وأن يجعلنا وإياكم من الواصلين لما أمر الله به أن يوصل، وأن يبارك لكم في أبنائكم، ويجعلهم بارين بكم نافعين لكم في الدنيا والآخرة.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً