الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أفكر في الطلاق فزوجي دائم الشكوى من الديون!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا متزوجة منذ عشرين عامًا، ولديَّ ولدان، وأغلب الوقت كان زوجي يشتكي من كثرة المصاريف، وكنت أصدقه، فأخرج للعمل لمساعدته في الإنفاق، وقد أصبح يعتمد على ذلك، لكن عملي كان متقطعًا، ليس دائمًا ولا مستقرًّا، وعندما لا أعمل ونطلب منه مصاريف بسيطة، يكون رده أنه لا يملك المال، وأنه مديون، وأن الديون لا تنتهي أبدًا، وكنت أصدقه.

كما أنه لا يشتري لي أو للأولاد شيئًا إلا نادرًا، وبالطلب والإلحاح الشديد مني ومن الأولاد، وربما مرة كل شهر أو شهرين، ثم إمَّا أن نيأس، أو يلبِّي الطلبات بعد طول انتظار، وبعدها يمنّ علينا بأنه اشترى لنا، مع تأكيده المستمر أنه مديون.

حتى حدث أمر ذات مرة، وكان معه مبلغ كبير من المال، فطلبنا بعض الأشياء كنوع من التعويض لعدم توفر المال سابقًا، ومن بينها اتفقنا على أداء العمرة، لكنه ظل يؤجل التنفيذ بحجة أنه سيتاجر بهذا المال ليكون لنا دخل جيد، ثم بعد فترة أخبرنا أنه خسر المال كله في التجارة، ولم يبق منه شيء، وعدنا إلى نقطة الصفر: ديون، وعدم القدرة على تلبية احتياجاتنا، وللأسف لم نعد نصدقه.

أولادي أيضًا أصبحوا لا يتعاملون معه إلَّا قليلًا جدًّا، وإذا طلبوا شيئًا، يقول لهم: "اشتغلوا"، مع أنهم ما زالوا في المدارس، حتى إنهم بدؤوا لا يحبونه، وظهر ذلك في طريقة كلامهم معه.

وسؤالي: هل يجوز لي شرعًا طلب الطلاق، مع العلم أنني أيضًا أصبحت أنزعج من مجرد الحديث معه، أو سماع عباراته المعتادة بأنه لا يملك مالًا وأنه مديون طوال الوقت، ولا يلبي احتياجاتنا؟

فالزواج قائم على المودة والسكن والرحمة، وكذلك على المسؤولية والرعاية، وهذه المعاني أصبحت غائبة عن حياتنا.

ومع ذلك، لا أملك مكانًا آخر أذهب إليه، ولا عملًا حاليًا، ولا مالًا يكفي لتحمُّل المسؤولية التي قد تترتب على الطلاق، لكنني أعلم أن الله هو الرزاق، ولا أريد أن يكون استمرار حياتنا الزوجية لمجرد وجود بيت، بينما لا يوجد احترام من الأب لأولاده، ولا مشاعر مودة ورحمة بيننا.

أعتذر عن الإطالة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ف.ز حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بكِ -أختَنا وابنتَنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لكِ الاهتمام وحسن العرض للسؤال، ونسأل الله أن يهدي هذا الزوج إلى أحسن الأخلاق والأعمال، فإنه لا يهدي لأحسنها إلَّا هو، ونتمنى أن تُواصلي مع الأبناء مسيرة الصبر على هذا الوالد، والتعاون معه على البر والتقوى.

ونحن – بلا شك – نرفض هذا السلوك الذي يحصل منه، وبخلُ الإنسان خُلق سيِّئٌ، فكيف إذا كان البخل على أحبِّ الناس إليه، على من يجب عليه القيامُ بالنفقة تجاههم؟!

ولكن مع ذلك نحن نتمنى ألَّا تستعجلي في قضية طلب الطلاق، وشجعي الأبناء على أن يقتربوا من والدهم، ويحرصوا على أن يكونوا إلى جواره، ويتواصلوا معه؛ لأن حقُّه كوالدٍ يبقى، وإن قصَّر هو في هذا الجانب.

وعليكم أن تذكِّروه بالله -تبارك وتعالى- وتذكّروه بالمسؤولية تجاه الأسرة، وبقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ»، «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُولُ».

ولا شك أن هذا المنع الذي يحدث منه مؤلم، ونحن نقدِّر الصعوبات التي تواجهكم، لكن لا تظنوا أن الطلاق بهذه السهولة، وأن هذا القليل الذي يُوجد الآن قد يُفقد في حال حصوله، فطالما كان الأبناء في هذه المرحلة هم بحاجة إلى والدهم، وعليه هو أن يتحمَّل مسؤوليته كاملة، وأنتِ إذا ساعدتِه فهذا معروف منكِ وحسن معاشرة، ولستِ مُلزَمة بتوفير النفقة أو غيرها.

ونتمنى أن يكون في العقلاء والفضلاء من أهلكِ أو أهله القريبين منه، مَن يكون له دور في نصحه وتشجيعه ليبحث عن عمل، أو عن أي وسيلة تُعينه على الإنفاق على الأسرة؛ فإن الشريعة جعلت الإنفاق على الأسرة في عاتق الرجل، قلَّ هذا الإنفاق أو كَثُر: ﴿لْيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ ۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ﴾ [الطلاق: ٧].

أمَّا أن يحتال بالأموال أو يخفيها ويزعم أنه لا يملكها، وليس لديه مال، فهذا لا يُعتبر عذرًا، عليه أن يسعى، فإذا سعى وبذل ما عليه، وبعد ذلك لم ينل إلَّا القليل، فعند ذلك نحن نرضى بهذا القليل ونتعاون معه، ونسأل الله -تبارك وتعالى- أن يسهِّل الأمور.

ورغم أنكِ – ولله الحمد – قمتِ بدوركِ في الفترة الماضية، ونسأل الله أن يسهِّل لكِ القيام بواجباتكِ، إلَّا أن الإنفاق – نكرِّر – واجب عليه، ولذلك هذا الشعور ينبغي أن يصل إليه، ويدرك أن هذه مسؤوليته.

ونتمنى أيضًا أن تُشجِّعي الأبناء ليُحسنوا التعامل مع والدهم، لأنه يظل والدًا، وعليهم أن يحتالوا في الطلب منه، وفي الوصول إلى الأموال التي عنده، وإذا لم يجدوا هذا، فمن المهم أن يتعاونوا معه على البر والتقوى، لأنه تبقى الأبوة ويبقى أبًا في كل الأحوال، قبل الطلاق، بعد الطلاق، أعطاهم أو لم يُعطهم، وهناك حقوق له، وأيضًا حقوق عليه ينبغي أن يتحمَّلها، فإذا قصَّر فلا تُقصِّروا أنتم؛ لأن العلاقة الزوجية والعلاقات الأسرية عمومًا هي عبادة لرب البرية، فتقصير هذا الطرف لا يبيح للآخرين أن يقصِّروا.

ومسألة الطلاق لا بد أن تُدرس دراسة صحيحة لمآلات الأمور؛ فإذا كنتِ لا تملكين مكانًا آخر، وليس لديكِ عمل ولا مال يكفي، فكيف يكون التفكير في هذا الاتجاه؟ لأن الأمور بعد الطلاق لا يمكن إلَّا أن تزداد صعوبةً وتعقيدًا، وإذا كان هو قد قصَّر والحياة مستمرة، فكيف ننتظر منه أن يُحسن بعد ذلك؟!

ولكن بالصبر والمداراة، وحُسن التعامل، وبذل الأسباب منكم جميعًا، نسأل الله -تبارك وتعالى- أن يسهِّل أمركم، وأن يوسِّع رزقكم، وأن يُلهمكم السداد والرشاد، هو وليُّ ذلك والقادر عليه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً