الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل أصاب والدي بوضعه شرطًا صعبًا أمام الخاطب؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة في سن الزواج، تعرفت صدفةً إلى شاب ذي خلق ودين، ووجدت فيه كل ما كنت أتمناه في الزوج، وتمنيت في نفسي أن يكون من نصيبي، أو شخصاً مثله في بلدي؛ لأنه من جنسية مختلفة، وأنا أعلم أن مثل هذا الشخص نادر في زمننا. أبدى هو إعجابه بي، فكنت في غاية السعادة؛ لأنني طالما تمنيت شخصًا مثله، وأراد أن يعرف هل أكن له نفس الشعور، فقلت نعم، ولكنني أخشى ما بعد ذلك، من تبادل الإعجاب والمشاعر.

أحب أن يطمئنني، ويثبت صدقه، وحسن نيته تجاهي، فأشار علي أن أخبر أهلي بأن هناك شخصًا يريد أن يتقدم، بمعنى أن أمهد له الطريق للتواصل مع والدي، وقد كان، بعد أن أخبرتهم بظروفه، واختلاف جنسيته، وأني سأستقر معه في هذه الدولة المجاورة، شعرت بعدم ممانعة أبي فتفاءلت، واستبشرت خيرًا.

بعد تفكير أبي، ومعارضة أمي، أخبرني أبي بأن هناك شرطًا، وهو توفير بيت الزوجية -شقة ملكًا- في بلدي، رغم أن استقرارنا بعد الزواج سيكون في بلد الزوج، فكان هذا الشرط بمثابة عائق كبير، ولا يريد أبي التنازل عنه أبدًا، ولا التفكير في حلول بديلة، وهذا صعب جدًا على الشاب، وظروفه، ومقدرته حاليًا؛ فهو فقط قادر على توفير بيت زوجية واحد في بلده؛ نظرًا لمكان عمله، فالمتعارف عليه أن الأسهل هو انتقال الزوجة لبلد زوجها، وليس العكس.

رغم ذلك بحث عن شقة، ولم يجد، فرفض أبي الموضوع كليًا لهذا السبب، ولم يحاول أن يتعرف على الشاب شخصيًا، لعله يجد فيه ما يستحق القبول، وأمرني أن أنسى هذا الشخص، وأنا متمسكة به، وكلما تحدثت معه في هذا الموضوع يتهمني بنقص العقل، ويرى أن أسبابه للرفض منطقية، وأني أفكر فقط بالعاطفة، على الرغم من أن اختياري لهذا الشخص كان بعقلي أولاً ثم بقلبي، ولكنه لم يتفهم ذلك، وأنا للأسف لن أسامح!

ما أريد معرفته الآن: هل في ذلك عضل من وليي؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمة الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبًا بكِ -أختنا الكريمة- في إسلام ويب، وردًا على استشارتك أقول وبالله تعالى أستعين:

• الزواج قسمة ونصيب، وأمر مقدر من الله تعالى من قبل أن يخلق الخلق بخمسين ألف سنة، قال تعالى: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾، وقال -عليه الصلاة والسلام-: «قدّر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء»، ولما خلق الله القلم قال له: «اكتب»، قال: وما أكتب؟ قال: «اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة»، وقال -عليه الصلاة والسلام-: «كل شيء بقضاء وقدر، حتى العجز والكيس». ومعنى الكيس: الفطنة.

• من أهم الصفات التي يجب أن تتوفر في الزوجين، الدين والخلق، كما ورد في الأحاديث الصحيحة، والتعرّف إلى هذه الصفات يكون من خلال السؤال عنه، عن طريق جيرانه، وأصدقائه، ومن يخالطه في حياته، وليس عن طريق أي وسيلة أخرى، والذي يبدو -والله أعلم- أنك تعرفتِ إلى هذا الشاب عن طريق أحد مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا بالطبع لا يعطي صورةً حقيقيةً عن صفاته؛ إذ غالبًا ما يُظهر الشخص صفات متكلَّفة من أجل الظهور بمظهر حسن.

وقد رُوي أن رجلاً أثنى على آخر عند عمر -رضي الله عنه-، فقال له عمر: "صحبته في سفر؟" قال: لا، قال: "فأتمنته على شيء؟" قال: لا، قال: "ويحك! لعلك رأيته يخفض ويرفع في المسجد!" أي لا يكفي مجرد مظهره في العبادة للحكم على صلاحه، وصدق النبي -صلى الله عليه وسلم- حين قال: (إن أدوأ الداء البخل).

• دائمًا الاستخارة في مثل هذه الأمور المهمة مطلوبة، وأنت لم تُصَلِّي صلاة الاستخارة بعد، فأنصحك أن تصلي ركعتين من غير الفريضة، تقرئين فيهما الفاتحة، وما تيسر من القرآن، وقبل السلام من الصلاة تأتين بهذا الدعاء: (اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب. اللهم إن كنت تعلم أن زواجي من هذا الرجل خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، فاقدره لي ويسره لي، ثم بارك لي فيه. وإن كنت تعلم أن زواجي من هذا الرجل شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضني به).

• قد يحب الإنسان شيئًا وفيه شر له وهو لا يعلم، وقد يكره شيئًا وفيه خير له وهو لا يعلم، وصدق الله إذ يقول: ﴿وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.

• رد والدك فيه شيء من الواقعية؛ لأنه من خلال تجربته يعلم ويسمع ما يحصل للفتيات اللاتي يتزوجن برجال من خارج بلدانهن، وبسبب فشل الكثير من الزيجات التي تتم بهذه الطريقة، أراد أن ينظر في جدية هذا الشاب، وتحسّبًا لما قد يحصل بعد الطلاق -لا قدر الله-، وخاصةً إن كان عندك أولاد، فأين ستسكنين إن لم يكن لكِ سكن في بلدك؟

• والدك من أقرب الناس إليك، وسعادته من سعادتك، ولا يمكن أن يقف حجر عثرة أمام زواجك، بل هو يحتاط لك بما فيه مصلحتك، وفعله ذلك ليس من باب العضل؛ بدليل أنه كان قد وافق أولاً، لكنه أراد أن يعرف مدى جدية ذلك الشاب، وتضحيته من أجل الزواج بك، فلما وجد أنه لا يملك القدرة على ذلك، قال لك: "انسَي الموضوع".

• يجب عليك أن تقطعي تواصلك مع هذا الشاب نهائيًا؛ لأن هذه العلاقة التي نشأت بينكما لم تُبنَ على أساس صحيح، كما يجب عليكما التوبة، والاستغفار، والندم على ما حصل من التعارف، وبناء علاقة خارج إطار الزوجية.

• لو كان هذا الشاب من نصيبك لما حصلت هذه العرقلة، وليس صحيحًا أنك لن تجدي تلك الصفات التي تزعمينها في شخص غيره، فأنت لم تتعرفي على حقيقته بعد.

• نوصيك بالاستقامة على دين الله، واجتناب ما يغضبه، وأن تكثري من تلاوة القرآن الكريم، والتضرع بالدعاء بين يدي الله تعالى، مع تحري أوقات الإجابة، وسلي الله تعالى من خيري الدنيا والآخرة، ومنها أن يرزقك الزوج الصالح الذي يسعدك في حياتك، ويعينك على طاعة الله سبحانه.

نسأل الله تعالى لكِ التوفيق والسعادة، وأن يختار لك الخير حيث كان، ويصرف عنك كل مكروه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً