السؤال
لدي الكثير من الديون، ولا أستطيع سدادها، كما أن علي الكثير من الالتزامات التي لا أقدر على دفعها.
أشعر بضيق شديد، ولا يوجد لدي دخل كافٍ، أحيانًا أتمنى الموت في أقرب وقت.
لدي الكثير من الديون، ولا أستطيع سدادها، كما أن علي الكثير من الالتزامات التي لا أقدر على دفعها.
أشعر بضيق شديد، ولا يوجد لدي دخل كافٍ، أحيانًا أتمنى الموت في أقرب وقت.
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ بلال حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بك -أخي الغالي- في استشارات إسلام ويب، نسأل الله لنا ولك الفرج القريب.
أخي الغالي: نحن نسمعك ونشعر بألمك، ونعلم أن ما تمر به من ضيقٍ وهمٍّ يثقل كاهلك، ويجعل الدنيا مظلمة في عينيك، ولكن افتح قلبك –أخي الغالي– لما أقول، واسمعني بقلبك، وتأمل بعقلك، واطرح على نفسك تساؤلات، ثم أجب عليها بكل واقعية وصدق وتجرد:
• هل الموت سيكون حلاً لقضاء ديوني، أو لسعة رزقي؟
• هل تمني الرحيل من الدنيا سيكون حلاً لمشاكلي، أم هروبًا منها ثم عقابًا أشد يوم القيامة؟!
• لماذا حكمت على كل شيء بالنهاية؟! رغم أن ما تمر به قد يكون مرحلةً عابرة، أو لحظة ابتلاءٍ واختبارٍ يمر بها كل البشر وليس أنت فقط.
• هل السُخط واليأس والقنوط سيزيد من رزقي، أو يدفع عني ما أمر به من ضائقة؟
• أين خلق الصبر في حياتي وحسن الظن بالله؟! فكم قد أعطاك من خيرات ونعم لا تحصى ولا تُعد، وعند هذه الضائقة قررت اليأس والقنوط من فضل الله ورحمته.
• اعلم -وفقك الله– أن الابتلاء سنّة ماضية في كل الخلق، قال تعالى:( أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)، فحياتك اختبار عظيم، وهذا الضيق الذي تعيشه جزء من هذا الاختبار، وقد ابتلي الأنبياء والصالحون والأخيار بالفقر والحاجة والمرض، فعن مصعب بن سعد، عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله، أي الناس أشد بلاءً؟ قال: (الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، فيُبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبًا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة).
اعلم أخي - وفقك الله - أن الدنيا في حقيقتها دار مكابدة وكدحٍ وسعيٍ وتعب ومجاهدة، وليست دار نعيم، فلا تصفو لأحد أبداً على الدوام، قال تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ﴾، فهذا حال الدنيا، فهي لا تدوم على قرار، مرةً لك ومرةً عليك، مرة غِنى ومرة فقراً، مرة صحة، ومرة مرضاً، قال تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ).
لذلك تأمل – أخي الغالي – العلاج الذي أرشد إليه من خلق الإنسان وابتلاه سبحانه فقال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾.
فعليك –أخي– أن تقولها بلسانك، موقنًا بها في قلبك، راضيًا ومستسلماً لقضاء ربك: ﴿إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾، ليكون الجزاء كما أخبر الله: ﴿ أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾.
أخي الغالي: تذكر دائمًا أن مع العسر يُسرًا؛ فقد أقسم الله تعالى على هذه الحقيقة فقال: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾، لاحظ التعبير (مع)، وليس (بعد)، أي أن اليسر مصاحب للعسر، كظل الشيء، فاليسر آتٍ لا محالة، ولكن الأمر يحتاج إلى صبرٍ وحسنِ ظنٍ بالله تعالى، ثم بذل الطاقة والوسع في كل الأسباب الممكنة والمتاحة لدفع ما ينزل بالإنسان، فإذا علم الله منك بذل الوسع والطاقة، مع الصبر والاحتساب والرضا، نزل الفرج بفضله سبحانه وكرمه، قال تعالى: ﴿حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُنَجِّيَ مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾.
وليكن لك عبرة في قصة يوسف عليه السلام: بدأت ببشارةٍ، ثم جرت حياته في طريق مختلف تمامًا؛ غدر به إخوته، ورُمي في البئر، وبِيع بثمن بخس، وصار خادمًا، وابتُلي بامرأة العزيز، ثم دخل السجن، وطالت مدته فيه، وبعد كل هذه الشدائد والابتلاءات بقي يوسف عليه السلام صابرًا محتسبًا ذاكرًا لله، فجاء الفرج كأجمل ما يكون، وخرج من السجن ليكون عزيز مصر، فتأمل عظمة الفرج بعد الشدة.
أخي الغالي: الدعاء سلاحك، فأنت الآن في حالة اضطرار، ودعوة المضطر مستجابة، قال تعالى: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾، انطرح بين يدي الله، وابكِ، واشكُ همك له، وكرر دعاء المكروب، دعاء ذي النون -عليه السلام- حين نادى في ظلمات ثلاث: ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت، فقال: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾. وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بعِظَم هذا الدعاء فقال: (دعوة ذي النون إذا دعا، وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدعُ بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له) رواه الترمذي، فادعُ بها بقلب حاضر، مضطر، مستسلم لله تعالى، فإن الله كريم رحيم.
أخي الغالي: لا تفكر بيأس ولا تقنط من رحمة الله، وكن دائم الصلة به لتستطيع أن تفكر وتجد الحلول العملية -بإذن الله تعالى-، فالنفس القلقة اليائسة تعجز عن التفكير السوي، ولذلك تهرب إلى فكرة الموت.
ابدأ بتوسيع دائرة علاقاتك، وابحث عمّن تعرفه حولك لتجد عملًا إضافيًا، أو لتشرح حالك لمن يساعدك، لا تعش همك وحدك ولا تنطو على نفسك، ولا تكبت حاجتك، التجأ إلى الله أولًا، ثم إلى من تثق بنصحهم وتوجيههم من الأخيار الصالحين ليخففوا عنك ويساعدوك بما يستطيعون، حاول أن تطلب من أصحاب الديون تأجيل السداد إلى أجل، وابحث عمن يشفع لك عند من تستدين منهم.
أخيرًا -أخي الغالي- لا يخرجك من هذا الضيق إلا صدق الالتجاء إلى الله تعالى، والدعاء بقلب حاضر مضطر، والمبادرة إلى حسن الصلة به سبحانه، فإذا اطمأن القلب، أحسن العقل التفكير، وسلك الأسباب الموصلة للفرج، فجاء العون من الله تعالى.
أما القنوط واليأس والابتعاد عن الله تعالى، فلن يحل أي مشكلة ولن يدفع أي ضرر، فبادر – أخي الكريم – إلى الدعاء والالتجاء، والصبر واحتساب الأجر، واجتهد في الأسباب التي تدفع عنك ما أنت فيه من ضر ودَين، فإذا بذلت جهدك واستفرغت وسعك، فالله كريم حليم رحيم يرفع عنك ما بك من ضر، قال الحق سبحانه: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ)، نبي الله يونس عليه السلام، وهو في بطن الحوت لم يقنط، ولم ييأس، وبذل ما يمكنه من أسباب النجاة، فأكثر من التسبيح والتضرع والدعاء حتى جاء الفرج، وقد وضح الله سبب الفرج والنجاة فقال: ﴿فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾.
وفي هذا الرابط ستجد ما يهدئ بالك من الأدعية التي نصح بها نبينا عليه الصلاة والسلام أمته عند شعورهم بثقل الدين وعجزهم عن قضائه:
https://www.islamweb.net/ar/fatwa/278299/
وفقك الله، ويسر أمرك، وأذهب همك.