الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

طُلقت مرتين، وتزوجت برجل خدعني، فهل أطلب الطلاق؟

السؤال

السلام عليكم.

أنا أبلغ من العمر 28 عامًا، كنت متزوجةً من قبل لمدة شهرين، وتم الطلاق بسبب سوء العشرة، وحاليًا أنا متزوجة منذ أربعة أشهر، لقد أذاقني الله نفس البلاء؛ فمنذ بداية زواجي وأنا أعيش ابتلاءً شديدًا؛ فزوجي لا يوفر لي سكنًا، وأعيش مع والدته وأخواته، ثم اكتشفت أنه قد كذب علي في حالته المادية، وأخبرني أنه هو وأخوه لديهما مصنع ملابس يتشاركان فيه، ثم اكتشفت أنه لا يملك شيئًا، وإنما يعمل عند أخيه، ثم اكتشفت أنه قد خدعني؛ فقد أخبرني أنه يبلغ من العمر 38 عامًا، واكتشفت أن عمره 40 عامًا، ثم المصيبة الكبرى أنني وجدت وصفةً لدواء باسمه، عرضتها على طبيب نفسي، أخبرني بأنه يعاني من فصام مزمن مقاوم للعلاج، ويتناول أدويةً قويةً تجعله قليل الكلام، ولا يستطيع التفاعل، وبالفعل فهو لا يكلمني إلا نادرًا، ومع شدة ما يتناوله من أدوية، مثل: (أنفيجا، وديفاكوت، واكتينون، وابيكسدون، سيروكويل، وكلوزابكس، وهال ييريدول، وريتارد)، وغيرها من الأدوية، أصبح الإنجاب صعبًا للغاية، وكذلك لديه ضعف جنسي شديد، والحياة معه مستحيلة وصعبة؛ فلا توجد بيني وبينه علاقة كالأزواج.

ومع أننا نعيش في نفس الشقة، إلا أن الكلام يكاد يكون معدومًا، وزوجي شديد الاعتماد على أخيه ووالدته؛ فمثلًا إذا أردت شيئًا فإن والدته تشتريه لي، وأخوه هو من يدفع الإيجار والأكل.

أنا إنسانة واقعية، وقررت الطلاق، ولكن من حولي يخبرونني أن أصبر لسنة، ثم أطلب الطلاق؛ حتى أتجنب كلام الناس، ولكن أنا لا أطيق أن أعيش مع نفسي، ومع كثرة التفكير، وكذلك فقد غشوني وأقنعوني بأني سأعيش ملكةً، فوجدت نفسي أعيش حياةً لا قيمة لها، أجيبوني ماذا أفعل؟ فكلام الناس سيقتلني، والحياة صعبة.

ما هي حكمة الله بتكرار نفس البلاء علي مرةً أخرى، بل أثقل؛ فكابوسي هو أني سأكون مطلقةً مرتين، وبعد مدة قصيرة من الزواج، قولوا لي، ماذا أفعل؟ وهل دعائي مستجاب لأنهم ظلموني وغشوني بإخفاء مرضه؟ فكيف لمن يصلي يكذب ويغش؟

أشيروا علي، وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ إلهام حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا العزيزة- في استشارات إسلام ويب.

أولًا: نشكر لكِ تواصلك بالموقع وثقتك فيه، ونسأل الله تعالى أن يتولى عونك، وييسر أمرك.

ثانيًا: نحن ندرك مدى المعاناة التي تعيشينها بسبب هذه الحالة التي يعيشها زوجك، ولكن مع تفهمنا لضيق صدرك، ننصحك بمزيد من الصبر، ونضم رأينا إلى رأي هؤلاء الذين أشاروا عليك ممَّن حولك، ولا سيما أهلك؛ فإنهم حريصون على الخير لك، ويحبون لك السعادة، ويتمنون أن تعيشي مستورة الحال، مستقرةً في بيتٍ هادئٍ مع زوجك، ويتمنون لك حصول الذُّرية.

فنتمنى ألَّا تُغفلي رأي هؤلاء، وأن تُحاولي مجاهدةً نفسك لمزيد من الصبر، وهذا الصبر قد يكون مرًّا وثقيلًا، ولكن ستجدين -بإذن الله- تعالى عواقب حسنةً، ونتائج طيبةً، فكما قال الشاعر:
والصَّبْرُ مِثْلُ اسْمِهِ مُرٌّ مَذَاقَتُهُ *** لَكَنْ عَوَاقِبُهُ أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ

وما رأيناه في وصفك لزوجك ولأحواله المادية، ليس فيه ما يُلجئ إلجاءً شديدًا إلى الطلاق والإسراع فيه، فكل الأمور يمكن أن يُغيّرها الله تعالى وتتحسَّن الأحوال، فلا تقطعي رجاءك في الله تعالى؛ فإن الله تعالى يغيّر الحال بين لحظة وأخرى، وقد حصل الزواج، ومفاسد الطلاق كثيرة لا تخفى عليكِ، ومن ذلك ما يُحذّرك منه الأهل والأقارب، من أن سمعتك وسيرتك بين الناس ستكون مرهونة بتعدد حالات الطلاق، وهذه مضرة ومفسدة بلا شك يجرّها الطلاق، فلا بد لك من أن تنظري للأمر بعين العقل، والتأني والروية والتمهل، وتقارني بين المفاسد التي ستحصل، والمصالح التي تظنين أنها ستحصل من وراء هذا الطلاق.

حالة زوجك النفسية يمكن أن تتعدل ويشفيه الله تعالى، ولا سيما إذا ساندته أنت، ووقفت بجانبه، وحاولت أن تُعطيه جرعات من الثقة والحنان، ليعتمد على نفسه؛ فهذه أسباب مُؤثِّرة، ولعلَّ الله تعالى يُجري الخير على يديك، فيكون في صبركِ مع زوجك، ووقوفك بجانبه ما يُخلّصه من هذه الحالة التي يعيشها، وتظفرين أنت بالفوز على كل الأصعدة، فتحافظين على زوجك، وأسرتك، وتُؤجرين على ما تقدمينه من الخير والإحسان للزوج، وهذا خير لك من الطلاق والفراق، ولا يضر كونه يمر الآن بحالة مادية صعبة، ويُعينه أهله وأقاربه؛ فهذا أمرٌ قد قدّره الله تعالى، وحدث، ووقع بالفعل، والأمر بعد وقوعه يستدعي من الإنسان موقفًا غير الموقف الذي كان سيقفه قبل وقوع الأمر؛ فلا بد إذًا من الموازنة بين المنافع والمضار، والمصالح والمفاسد.

ونحن نرى أن المصلحة في أن تصبري؛ فإذا مرّت فترة كافية، ورأيت أن الحال لم يتغير ولم يتبدل، وأن الزوج غير قادر على القيام بواجباته الزوجية، فحينها ستكونين قد قررت الطلاق على بصيرة من الأمر؛ بحيث لا تندمين في المستقبل، ولا يلومك أحد من أقاربك.

وأمَّا ما ذكرتِه من التغرير: فمجرد المرض النفسي الذي لا يمنع المعاشرة الزوجية، ولا يُوجد النُّفرة من الزوج، هذا العيب ليس من العيوب التي يجب الإخبار بها، فربما كتمه لهذا السبب، فلا ينبغي أن تُسيئي الظنّ المطلق بالآخرين، وحاولي أن تلتمسي لهم الأعذار،؛ فإن ذلك سيُخفِّف عنكِ الحزن والكآبة، ويُجنبك الوقوع في إثم إساءة الظنّ.

وخير ما نوصيك به: اللجوء الصادق إلى الله -سبحانه وتعالى- بكثرة دعائه باضطرار، وأن يُقدّر لك الخير، وأن يُصلح أحوالك وأحوال زوجك، وأن يَمُنّ عليه بالعافية والشفاء، أكثري من دعاء الله تعالى وأنت موقنة بأنه سيستجيب لدعائكِ، فالله تعالى يقول في الحديث القدسي: (أَنَا عِنْدَ ظَنّ عَبْدِي بِي، فَلْيَظُنّ بِي مَا شَاءَ).

نسأل الله تعالى أن يُلهمك الصبر، ويُسدّد لك الرأي، ويُقدّر لك الخير حيث كان، ويُرضِّيك به.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً