الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زميلتي في العمل علَّقت قلبي بها رغم أنها مخطوبة!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أحببتُ زميلتي في فترة الكلية، ولكني لم أتقدم لخطبتها؛ بسبب الظروف المادية، قلتُ لنفسي: سأتقدم لها بعد انتهاء خدمتي العسكرية، شاء الله أن يجمعني بها في الشركة نفسها وفي العمل نفسه، ولكنها مخطوبة الآن، حرصتُ على أن يكون تعاملي معها في إطار العمل فقط، حتى لا أقع في الخطأ، ولكنها هي مَن بادرتْ بالحديث معي، وتطور الأمر إلى ضحك ومزاح، حتى انتكس قلبي وبدأتُ أفكر فيها، علمتُ من صديقاتها أن علاقتها مع خطيبها ليست جيدة، فتعلقتُ بها أكثر.

دلني يا شيخ على طريقة لراحة قلبي، هل أعيش منتظرًا فسخ خِطبتها، أم أترك العمل، أم أبادر بالاعتراف لها؟ أحيانًا أسأل نفسي: هل جمعني الله بها مرة أخرى صدفة لا أكثر، أم ماذا؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ علي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلًا بك في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله أن يبارك فيك وأن يرزقك العفاف والتقى.

اطمئن أولًا؛ فإن ما أصابك لم يكن ليُخطئك، وما أخطأك لم يكن ليُصيبك، وقد قال النبي ﷺ: (إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ)، فكل ما يجري عليك من حب أو فراق، من لقاء أو بعد، إنما هو بقدر الله، قد كتب في اللوح المحفوظ قبل أن توجد السماوات والأرض، فاهدأ وارض؛ فإنك في كنف ربّ حكيم لا يقدّر لعبده إلا الخير.

واعلم أن القلوب بيد الله تعالى، يقلبها كيف يشاء، فربّ قلب تعلّق فصرفه الله رحمةً بصاحبه، وربّ حبّ ظنّه المرء خيرًا فإذا هو ابتلاء، قال الله -جل وعلا-: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}، فإذا كان الله يحول بين المرء وقلبه، فسلْه أن يُبدّل ما في قلبك حبًّا له، لا تعلّقًا بمن لا تحلّ لك.

ثانيًا: ما حدث منك ومن تلك الفتاة تجاوز لا يرضاه صاحب دين صحيح ولا صاحب مروءة نقية؛ فإن الشرع نهى عن الخضوع بالقول، وعن اللين في الكلام، وحثّ على حفظ النظر واللسان، قال الله تعالى: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ}، وما كان الشيطان ليغيب عن مثل هذا الموقف، بل لعله هو الذي زيّن لكما التودّد والمزاح؛ حتى يضعف الحياء ويقود إلى الفتنة، وتذكّر أن المؤمن العاقل لا يجعل من قلبه ملعبًا للهوى، ولا يرضى أن يكون سببًا في اضطراب امرأة مخطوبة، أو في فساد علاقة قائمة بين اثنين، ولو كان في تلك العلاقة خيرٌ لك، لهيّأ الله سبيلها بالحلال لا بالمخالفات.

ثم تأمل حال من تسمح لنفسها بهذا التوسّع في الحديث والمزاح مع رجل أجنبي؛ فإن هذا يدلّ على خلل في الحياء وضعف في ضبط النفس، وهذا أمرٌ مقلق؛ فالزوجة الصالحة تُعرف من حيائها، ومن حفظها لحدود الله، ومن غيرتها على دينها وسمعتها.

لذا: ننصحك أن تترك أمرها تمامًا، لا تتعلق بها قلبًا ولا فكرًا، ولا تنتظر زوال خطبتها؛ فإن من ترك شيئًا لله عوّضه الله خيرًا منه، وقد قال ﷺ:(إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئًا لِلَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- إِلَّا بَدَّلَكَ اللَّهُ بِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ مِنْهُ)، فاجعل جهدك في إصلاح نفسك، وتهيئة حالك للزواج من فتاةٍ صالحةٍ من بيتٍ طيّبٍ، تُرضي ربها قبل أن تُرضي زوجها، وتحفظ غيبته كما تحفظ حضوره، ابحث عن ذات الدين كما أوصى النبي ﷺ: (فاظْفَرْ بذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ).

اقطع التعلق قبل أن يتحول إلى معصية، ولا تُبرّر القرب العاطفي بحجّة ضعف علاقتها بخطيبها؛ فذلك شأنها وشأن أهلها، وليس لك فيه نصيب، واضبط العلاقة في حدود العمل، فلا تسمح للمزاح أو الكلام اللين أن يعود بينكما؛ لأن القلوب تضعف عند باب العاطفة.

اشتغل بإصلاح حالك: وذلك بتقوية صلتك بالله، والبداية في تحسين وضعك المادي والاجتماعي، والبحث عن ذات الدين والخلق، فإن لم تستطع ضبط مشاعرك، فابحث عن مكان آخر للعمل، فإن وجدته فاترك العمل، أو انتقل إلى قسم آخر في عملك الحالي، فقد يكون أهون من صراع القلب وذنب النظر، قال ﷺ: (إنك لن تدع شيئًا لله إلا بدّلك الله خيرًا منه).

نسأل الله أن يحفظك وأن يرعاك، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً