الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أهلي لا يريدون تزويجي لأجل تدريس أبنائهم

السؤال

أهلي لا يريدون أن أتزوج وذلك لتربية وتدريس أبنائهم، وأنا خائفة من فكرتهم، فأنا والحمد لله أريد الطريق الحلال.
أفيدوني جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فتاة الإسلام حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله - تبارك وتعالى - أن يفرج كربتك، وأن يقضي حاجتك، وأن يوفق أهلك لقبول الحق الذي يُرضي الله تعالى والذي يتحقق به مصلحتك في هذه الحياة.

كما نسأله تعالى أن يمنَّ عليك بزوج صالح طيب مبارك يكون عوناً لك على طاعة الله ورضاه وترزقين منه بذرية طيبة صالحة تسعدين بها في الدنيا والآخرة.

وبخصوص ما ورد برسالتك - أختي الكريمة الفاضلة – فإنه وكما تعلمين أن العلماء نصوا على أن هناك ضرورات تسمى بالضرورات الخمس، ومن هذه الضرورات الخمس حفظ النسل، فالتناسل لا يكون إلا عن طريق الزواج، ولذلك الزواج يعتبر ضرورة من الضرورات للرجل والمرأة، وليس من حق أحد كائناً من كان أن يحرم الإنسان هذا الحق، حتى الأب لا يجوز له أن يحرم ابنه أو ابنته من حقها الشرعي في أن تتزوج وأن تؤسس أسرة وأن تحيا حياة طيبة كريمة، فهذا مما كفله الإسلام لكل مسلم ومسلمة، ولذلك قال الله - تبارك وتعالى -: ((فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ))[النساء:3]، وقال أيضاً: ((وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ))[النور:32]، فهذا أمر من الله تعالى بالنكاح.

والنبي - عليه الصلاة والسلام - يقول: (تناكحوا تناسلوا فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة)، ويقول أيضاً - عليه الصلاة والسلام -: (النكاح من سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني)، فعليه فليس من حق أي أحد كائناً من كان - كما ذكرت - أن يحرمك هذا الحق، سواء كان الوالد أو الوالدة أو الإخوة والأخوات، وما ذكرته في رسالتك من أن أهلك لا يريدون لك الزواج حتى تتفرغين لتربية أبنائهم وتدريسهم هذا ليس صحيحاً، هذا اعتداء مباشر على حقك الشرعي، ولذلك من حقك أن ترفضي هذا المبدأ كلاً وجُزءاً وأن تطالبي بحقك الشرعي بكل قوة ووضوح؛ لأن هذا من حقك الذي لا يجوز لأحد أبداً أن يتحكم فيه أو يحرمك منه.

كونك لم يتقدم لك أحد فهذا أمر آخر، لكن كونك تحرمين من هذا الحق لتحقيق مصلحة لطرف آخر كائناً من كان، فهذه المسألة غير مقبولة شرعاً ولا عرفاً، ولذلك أتمنى بارك الله فيك – إذا كان الوالد موجوداً أن تناقشيه في هذه المسألة، إذا كانت الوالدة موجودة أن تقف معك، إذا كان هؤلاء هم إخوانك فلك أن تستعيني بأعمامك أو بأخوالك أو بأي أحد كائناً من كان حتى تحل هذه المسألة، ولكني أخشى أن تكون حجتهم بأنه لم يتقدم لك أحد وأنه إن تقدم لك أحداً فهم لن يرفضوه، ففي هذه الحالة يقولون نحن لم نمنعها من ذلك، لو تقدم لها أحد فنحن سنكون أول من يفرح وأول من يسعد، فإذا كان الأمر كذلك فإذن ليس الأمر منهم، يعني كون لم يتقدم لك أحد بقدر الله تعالى إلى الآن فمعنى ذلك أنهم لم يمنعوا أحداً من التقدم، ولكن لك أن تعترضي عليهم إذا كانوا يرفضون كل من يتقدم إليك حتى وإن كان مطابقاً للمواصفات الشرعية وليس فيه من عيب يُذكر وفهمت أنت من موقفهم فعلاً أنهم لا يرغبون في تزويجك من حيث الأصل والمبدأ؛ لأنهم يريدونك لتربية وتدريس أبنائهم.

أما إذا كان لم يتقدم لك أحد، فهذا أمر أرى أنه ليس لهم فيه دخل، أما إذا تقدم لك أحد وكانوا غير موافقين ورفضوه، فأرى أيضاً أنه أمر طبيعي؛ لأنه لا بد لنا أن نكون منصفين، وأن يكون لدينا إنصاف وعدل، هناك فرق بين أن يرفضوا كل أحد يتقدم لك - سواء كان موافقاً أو غير موافق - من أجل مصلحتهم، وهناك فرق أنه لم يتقدم لك أحد من حيث المبدأ، وهناك فرق أيضاً أنه قد يكون تقدم لك واحد ليس لك بكفء، وفي هذه الحالة ينبغي أن نفرق بين هذه الأمور كلها.
فهم ليس من حقهم أن يمنعوك الزواج من الكفء الذي يتقدم لك المناسب لك بالضوابط الشرعية والعرفية العامة، هذا ليس من حقهم أبداً، وفي هذه الحالة لو حدث هذا فمن حقك أن تثوري عليهم وأن تقفي في وجههم وأن تقولي لهم (إن هذا ليس من حقكم شرعاً، وأنه من حقي أن أعيش حياة مستقرة آمنة كما تعيشون أنتم، ومن حقي أن يكون لي أولاد كما أن لكم أولادا، ومن حق أولادي عليَّ أن أقوم على تربيتهم كما أقوم على تربية أبنائكم)، فهذا حقك، ولذلك أقول: لابد أن تفرقي، ولكن إذا كانوا يمنعوك وجاءك الكفء المناسب ولكنهم لم يقبلوه أو رفضوه تحقيقاً لمصلحتهم وأنت فهمت ذلك منهم فمن حقك أن تثوري عليهم أيّاً كانوا هم.

أما إذا كان الذي تقدم لك غير مناسب وغير كفء وهم رفضوه فهذا شيء طبيعي، لأنهم هم أدرى بأمور الفتاة وحالها منها، فمهما كان إدراكك ومهما كان علمك ومهما كانت معارفك تبقى محدودة بالمقارنة بالأسرة كلها، لأنك أنت قد تكونين مشغولة مثلاً أثناء فترة الشباب بالدراسة أو كنت مثلاً من المدرسة للمنزل أو من الجامعة للمنزل ليست لك علاقات موسعة وقطعاً لا يكون لأي فتاة فاضلة علاقات مع الرجال ولا تعرف الرجال أساساً، وإنما أقصى ما تعرف أنها تعرف إخوانها تعرف أبناء العم أبناء الخال أبناء الجيران، كمعرفة قريبة وبعيدة حسب نسبة الاحتكاك والاختلاط، ولذلك هي لا تستطيع أن تحكم على من يتقدم لها بأنه مناسب أو غير مناسب، أما الذي يحكم على ذلك إنما هي الأسرة مجتمعة – الأب والإخوة - وأحياناً يتدخل الأعمام والأخوال على اعتبار أنهم قد يعرفون هذا الشخص ويعرفون عنه ما لا يعرف عنه سواهم، خاصة أيضاً بأن قضية الزواج ليست مسألة ارتباط رجل بامرأة أو ذكر بأنثى، وإنما هي ارتباط عائلة بعائلة، ارتباط أسرة بأسرة، ارتباط كيان كبير بكيان كبير، ولذلك كان لابد من موافقة الولي، لماذا؟ لأن قضية الزواج ليست خاصة بالفتاة وإنما هي قضية تتعلق بأسر، قد يأتي إنسان مثلاً لا يصلح أن يكون مثلاً زوجاً لابنتي ثم توافق عليه البنت وأنا أرى أنه غير مناسب بالمرة وأنه لا يمكن وقد يكون سُبّة وقد يكون عارا أن يتزوج ابنتي، ففي تلك الحال من حق ولي الأمر أن يمنع، ولكن لو جاءك الكفء المناسب من جميع الجهات الذي تتوافر فيه الشروط الشرعية فليس من حقه أن يرفض، ولذلك أباح لك الشرع أن تلجئي إلى القضاء، يعني أباح الشارع للفتاة المسلمة التي يَعضلها أبوها أو يمنعها من الزواج أن تشكوه إلى القاضي وأن يزوجها القاضي رغماً عنه إذا كان متعنتاً، ولذلك أقول:
أتمنى أن تدرسي الأمور من جميع الجهات، فإذا كان الافتراض الذي ورد في كلامك وهو أنه فعلاً يأتيك الكفء المناسب وهم لا يوافقون عليه لمصلحتهم فمن حقك أن تبيني لهم أن هذا أمر لا ينبغي وأنه إن استمروا على ذلك فسوف ترفعين أمرك لولي الأمر، ومن حقك أن تستعيني بالأعمام أو الأخوال أو العمات أو الخالات لحل هذه الإشكالية بالطرق السلمية، فإذا لم يأت ذلك بفائدة فمن حقك أن تلجئي للقضاء وإن كنتُ أعتقد أن الأمر لم يصل إلى هذا الحد؛ لأن ما من أسرة إلا وتتمنى أن تسعد بستر ابنتها وزواجها، بل إن الأسر كلها تفرح بزواج البنت أكثر من زواج الولد، لأنها بالنسبة لهم تعتبر مسئولية وأمانة يريدون أن يضعونها عند من أراد الله تبارك وتعالى أن تُوضع عنده، فأتمنى أن تدرسي الفرضيات الموجودة، وكما ذكرت إذا كان الأمر فعلاً فيه اعتداء على حقك فمن حقك أن تستعيني بمن يحدث أو يتكلم مع إخوانك وأخواتك أو مع أهلك – أيّاً كانت درجتهم – لإقناعهم بأن هذا الأمر خطأ، فإذا لم يقبلوا ذلك فهدديهم بأنك قد تلجئين إلى القضاء إذا اضطر الأمر إلى ذلك - إن رأيت أن ذلك سيفيد - وأنا واثق أن الأمور لن تصل لهذا الحد؛ لأن الناس جميعاً يحبون الستر لبناتهم.
وأسأل الله عز وجل أن يسترك بستره الذي لا ينكشف، وأن يمنَّ عليك بزوج صالح ينتشلك من هذه البيئة وتؤسسين معه أسرة جميلة رائعة شعارها (لا إله إلا الله) ومبدؤها تطبيق سنة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً