الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أفعال الكبير الذي يعاني من الخرف وكيفية التعامل معه

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم.
والدي يبلغ من العمر 82 عاما يعاني من الخرف حيث تصرفاته لا عقلانية ولا يصلي ولا يصوم ويلوث فراشه إلخ... (مع اعتبار هذه الحالة..غير مكلف شرعا)، فهل نأثم إذا ألزمناه عدم الصوم، في حالة قدرته ورغبته في ذلك... وهل يلزمنا إخراج فدية إطعام مسكين عن عدم صومه لرمضان، وهل يجوز لنا نحن أبناوه بنون وبنات الكشف والاطلاع على عورته لتنظيفه من النجاسة.. مع أنه يتحرج من ذلك، وقد يقوم بتصرفات تثير السخط وكرد فعل فإن أيا منا لا يحتمل هذا السلوك وقد يصرخ عليه أو يرفع عليه اليد، أو قد يسرها في قلبه... فما حكم ذلك شرعا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد اشتمل السؤال على الأمور التالية:

1- كون الوالد لا يصلي ولا يصوم.

2- السؤال عن مدى إثمكم إذا ألزمتموه بعدم الصوم في حال قدرته عليه ورغبته فيه.

3- السؤال عن مدى لزوم الفدية عن تركه للصوم.

4- السؤال عن مدى إباحة الكشف والاطلاع على عورته لتنظيفه من النجاسة.

5- عدم تحملكم لبعض سلوكه مما قد يسبب الصراخ في وجهه أو رفع اليد عليه.

وحول النقطة الأولى نقول: إن والدكم إذا كان قد وصل إلى الخرف بحيث اختلط عقله كما هو الظاهر، فإنه لا تجب عليه الصلاة ولا الصيام، لكنه إذا كان يفيق من خرفه في أوقات الصلوات مدة تكفي لأدائها، وجب عليه أداؤها، لأن العقل مناط التكليف، والله تعالى يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ {التغابن:16}، والمرء مأمور بفعل ما في وسعه، وأما الصيام فيزاد على وجود العقل وجود قدرة على أدائه.

وعلى هذا يُرتب الرد على النقطة الثانية والثالثة، لأنكم إذا ألزمتموه بعدم الصوم في حال إفاقته وقدرته عليه تكونون آثمين بذلك، وأما في أحوال ذهاب عقله فإن منعه من الصوم بأسلوب لبق هو المتعين، وإذا سقط عنه وجوب الصوم لذهاب عقله فإنه لا فدية عليه، وإن كان لعجزه مع إفاقته كانت الفدية واجبة عليه في ماله.

وحول النقطة الرابعة فالأصل أن عورة المرء لا يجوز أن ينظر إليها ابنه ولا بنته، لقوله صلى الله عليه وسلم لما سأله سائل: عوراتنا ما نأتي منها وما نذر، فقال صلى الله عليه وسلم: احفظ عورتك إلا من زوجك أو ما ملكت يمينك. رواه أبو داود.

وهذا في حالة الاختيار، وأما في حالة الاضطرار وهي ما إذا كان الشخص على حالة لا يستطيع معها أن ينظف نفسه من الأذى، ويطهرها من القاذورات الملازمة للإنسان، فإنه لا يكون من حرج في الكشف عن عورته لإزالة الأذى عنه، وتطهير بدنه ونظافة مظهره وطيب رائحته، ويجب الاقتصار من ذلك على قدر الحاجة.

وحول النقطة الأخيرة فإنه من المنكر البين أن يصرخ الابن في وجه أبيه أو أن يرفع عليه اليد، فقد قال الله تعالى في شأن الوالدين: فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا {الإسراء:23}، قال الرازي: المراد من المنع من التأفيف المنع من إظهار الضجر بالقليل والكثير. انتهى.

فلا يجوز الضجر من أوامره وأفعاله، وعليكم أن تحرصوا على بره بالمعروف وإن أساء، وإياكم ومثل هذا التضجر فإنه عقوق، والعقوق من أكبر الكبائر، كما في حديث أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثاً، قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس فقال: ألا وقول الزور وشهادة الزور فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت. متفق عليه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني