الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الترغيب في نوال رضا الوالدين والترهيب من أدنى إساءة لهما

السؤال

أنا فتاة عندي 30 سنة ولى 2 صبيان و2 بنات وأنا الخامسة وجميعهم تزوجوا ما عدا أنا وأقيم مع أبي وأمي في المنزل ولكن أشعر بالوحدة والعزلة على الرغم من وجود أخى يعيش معنا في نفس المنزل و الأخ الثانى في منزل آخر المهم أني أتقى الله في أبي وأمي وأحاول جاهدة أن أرضى ربنا بقدر الإمكان بالصلاة والعبادة والتسبيح و قيام الليل وحفظ القرآن الكريم وأحاول أرضى من حولي وأرضي أمي وأبي إنما يحدث أحيانا أن صوتي يعلو على أمي وأبي كثيرا لى درجة إني مرة تطاولت على أمي بالضرب دون أن اشعر لأنها تثير غضبى أحيانا على الرغم أني عرفت أن هذا غلط وأصالحها وأبوس رجليها وأرضيها لأني أحبها حبا شديدا وأستغفر الله وهى ترضى علي وأنا الآن بعد كل الاستغفار والبكاء إلى الله عز وجل لطلب المغفرة ربنا يسامحني أنا لا أدري هل يقبل الله عز وجل توبتي لأن ذلك من عقوق الوالدين بالله عليكم أريد الرد سريعا سريعا قبل فوات الأوان.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فان ضرب الوالدة وإهانتها ورفع الصوت عليها من كبائر الذنوب، ومن الموبقات، فقد نهى الله عز وجل عن قول (أف) للوالد، وهي كلمة تضجر، ومثلها كل كلمة تدل على التضجر والتبرم والغضب من كلام الوالد، فكيف بالضرب والسب والإهانة؟ فشأن الوالدين في الإسلام عظيم وبرهما من أعظم القربات، وعقوقهما من أعظم المنكرات، وقد قرن الله سبحانه وتعالى الأمر بالإحسان إلى الوالدين بالأمر بعبادته وعدم الإشراك به، فقال عز وجل: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً {النساء: 36}.

ونهى سبحانه وتعالى عن التأفف للوالدين الذي هو أدنى مراتب الإساءة، ونهى عن أن ينهرهما، وأمر بإلانة القول لهما، فقال عز وجل: فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا {الإسراء:23-24}.

ووصى بالأم وبين عظم ما عانته من الأتعاب على ولدها، فقال تعالى: وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا {الأحقاف:15}.

وقال تعالى: وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ المَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {لقمان: 14- 15}.

وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك. والحديث في الصحيحين عن أبي هريرة. وقد عد النبي صلى الله عليه وسلم عقوق الوالدين من أكبر الكبائر فقال: ألا أخبركم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين. رواه البخاري ومسلم، واللفظ للبخاري من حديث أبي بكرة رضي الله عنه.

وفي الحديث: بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا: البغي والعقوق. رواه الحاكم وصححه الألباني.

وقد جعل برهما أفضل الأعمال بعد الصلاة التي هي حق الله، وأن عقوقهما أكبر الكبائر بعد الشرك بالله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: أفضل الأعمال الصلاة لوقتها، وبر الوالدين. رواه مسلم، وقال عليه الصلاة والسلام: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين... الحديث متفق عليه.

وقال ابن كثير رحمه الله في التفسير: وقوله إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أف: أي لا تسمعهما قولا سيئا حتى ولا التأفيف الذي هو أدنى مراتب القول السيء، وَلَا تَنْهَرْهُمَا أي ولا يصدر منك إليهما فعل قبيح، كما قال عطاء بن رباح في قوله ولا تنهرهما: أي لا تنفض يدك عليهما، ولما نهاه عن القول القبيح والفعل القبيح، أمره بالقول والفعل الحسن، فقال: وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا أي لينا طيبا حسنا بتأدب وتوقير وتعظيم، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ: أي تواضع لهما بفعلك. وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا: أي في كبرهما وعند وفاتهما. انتهى.

فالواجب عليك أن تتوبي إلى الله مما بدر منك مما يتنافى مع بر الوالدة، وإذا صدقت في توبتك فإن الله يقبل توبتك، فما من ذنب وإن عظم يتوب صاحبه منه توبة نصوحا إلا تاب الله تعالى عليه، فضلا منه ورحمة وجودا. قال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ {الزمر: 52- 54}. وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها. أخرجه مسلم عن أبي موسى.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه. رواه مسلم.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر. رواه الترمذي وحسنه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني