الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الهدي الشرعي الواقي من الحسد

السؤال

أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: [المؤمن الذى يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذى لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم]، ونعقد حلقة علم هنا، ولكنى أصبحت أتغيب عنها لوجود شخص أعتقد أنه عائن وحاسد، وهو يضرني بهذا، فماذا أفعل وأنا أتحرج أن أعلم بحديث المصطفى ولا أطبقه، فهل أحضر الحلقة وأخالط الإخوة حتى لو كان الأذى المقصود فى الحديث هو الحسد، فأفيدونا جعلكم الله عونا للمسلمين؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد بين الله لنا في كتابه جميع ما ينتابنا من مشاكل شخصية أو نفسية أو اجتماعية، ومن أكبر المشاكل والمشاغل الاجتماعية الحسد وما يترتب عليه من ضرر على النفس والمال، ولم يترك الله ذلك بلا بيان وتوضيح فقد أبان في كتابه في مواضع كيفية التصرف مع الحاسد، وإليك بيان ذلك مع أدلته:

أولاً: قراءة المعوذات فقد أمر بذلك في قوله تعالى: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ* مِن شَرِّ مَا خَلَقَ* وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ* وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ* وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ {الفلق}، وقد كان نبياً صلى الله عليه وسلم شديد الحرص على قراءتها، ومن حافظ على ذلك مع الدعاء المأثور؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء.. من قاله ثلاثاً إذا أصبح لم يضره شيء حتى يمسي، وإذا أمسى لم يضره شيء حتى يصبح. والحديث صحيح من حديث عثمان بن عفان رواه أحمد وأبو داود وقد صححه الترمذي والحاكم والضياء والألباني. وغير ذلك من الأدعية المعروفة التي شرعت صباحية ومسائية.

ثانياً: التصرف مع الحاسد بالعفو والصفح وعدم تهييجه وإثارة أحقاده، قال تعالى بعد ذكر حسد اليهود: فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {البقرة:109}.

ثالثاً: الحفاظ على الطاعات، قال الله تعالى بعد الآية السابقة: وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ {البقرة:110}.

رابعاً: عدم إظهار النعمة عليه لأن ذلك يفضي إلى زيادة حسده وكبره، لأن الحاسد يحسد على رؤيا خير فما بالك بالواقع، قال تعالى: لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا {يوسف:5}، وقال تعالى على لسان يعقوب عليه السلام كذلك: وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ {يوسف:67}، لأنهم إذا رأوا جماعة مع ما فيهم من جمال وكثرة وقوة فقد يصابون بعين حاسد فأمرهم أبوهم بالتفرق عند الدخول، وعدم إظهار أنهم إخوة خوفاً من الكيد.

خامساً: قول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله.. قال تعالى: وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ {الكهف:39}، وقلها على نفسك وأهلك تُكفَى إن شاء الله، إذا فعلت هذا فلا تخشى حسد حاسد ولا عين عائن وخالط الناس بخير والزم مجالس العلم والذكر، ثم بعد هذا ننصحك بعدم الدخول في وساوس الحسد والعين ونحوها مما يؤدي بك إلى حرمان الاختلاط بالعلماء وأهل الفضل وسماع الخير، فتوكل على الله والتزم بما سبق، والله خير حافظاً وهو أرحم الرحمين.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني