الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم منع الزوجة من زيارة أهلها أو الاتصال بهم

السؤال

أرجو الإفادة إذا منع الزوج الزوجة من زيارة أهلها أو الاتصال بهم إلا في أضيق الحدود, نتيجة لخلافات بينهم ومنع أي أحد منهم من دخول بيته, ومنع الأطفال نهائيا عنهم، فهل إذا طلب منها الزوج أن تزور أهله ترفض أم تقبل، وإذا رفضت هل هذا عدم طاعة للزوج ويغضب الله عنها, وإذا وافقت فتكون عاقة لأهلها, وإذ كان أهل الزوج دائما يدعوهم لزيارة بيته وقضاء أيام عنده أمه وأخته وأولادها.هل في هذا ظلم للزوجة؟ وهل من حقها أن ترفض لأنها نفسيا لا تسطيع أن تستقبلهم وهي محرومة من أهلها، بالله عليكم أرجو الإفادة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد اختلف العلماء في خروج المرأة لزيارة والديها أو أحدهما خاصة، فذهب الحنفية والمالكية إلى أن الزوج ليس له أن يمنعها من ذلك. قال ابن نجيم الحنفي في البحر الرائق: ولو كان أبوها زمِنا -أي مريضا- مثلا وهو يحتاج إلى خدمتها والزوج يمنعها من تعاهده، فعليها أن تعصيه مسلما كان الأب أو كافرا, كذا في فتح القدير, وقد استفيد مما ذكرناه أن لها الخروج إلى زيارة الأبوين والمحارم، فعلى الصحيح المُفتى به: تخرج للوالدين في كل جمعة بإذنه وبغير إذنه، ولزيارة المحارم في كل سنة مرة, بإذنه وبغير إذنه.

وقال في التاج والإكليل على متن خليل المالكي: وفي العُتْبية: ليس للرجل أن يمنع زوجه من الخروج لدار أبيها وأخيها، ويُقضى عليه بذلك، خلافا لابن حبيب. ابن رشد: هذا الخلاف إنما هو للشابة المأمونة, وأما المتجالّة -العجوز الفانية- فلا خلاف أنه يُقضى لها بزيارة أبيها وأخيها, وأما الشابة غير المأمونة فلا يقضى لها بالخروج. انتهى.

وذهب الحنابلة إلى أنه له أن يمنعها، ويلزمها طاعته، فلا تخرج إليهما إلا بإذنه، لكن ليس له أن يمنعها من كلامهما ولا من زيارتهما لها، إلا أن يخشى ضررا بزيارتهما، فيمنعهما دفعا للضرر. جاء في الإنصاف: لا يملك الزوج منع أبويها من زيارتها على الصحيح.

كما ذهب الشافعية أيضا إلى أن له أن يمنعهما من زيارتها، قال صاحب كتاب أسنى المطالب: وللزوج منع زوجته من عيادة أبويها ومن شهود جنازتهما وجنازة ولدها، والأولى خلافه. انتهى .

وقال صاحب الإنصاف الحنبلي: لا يلزمها طاعة أبويها في فراق زوجها, ولا زيارةٍ ونحوها. بل طاعة زوجها أحق.

هذا كلام أصحاب المذاهب. والذي يظهر من أقوال أكثرهم أنهم متفقون على عدم جواز منع المرأة من زيارة أهلها لها في بيتها إذا لم يكن هناك ضرر معتبر من هذا, وإنما الخلاف في ذهابها هي إليهم، والراجح من هذا الخلاف أن الرجل ليس له منع زوجته من زيارة أهلها – خصوصا والديها – إذا لم يكن هناك ضرر.

ولذا فإنا ننبه إلى أنه لا ينبغي للزوج أن يمنع زوجته من زيارة أرحامها عموما ووالديها خصوصا ما لم يكن هناك سبب للمنع ككون خروجها يضر به أو بأولاده أو ككونهم أصحاب معاصي مثلا, وهو يخشى على زوجته أن يفسدوها أو أن يكونوا ممن يحاولون الإيقاع بينه وبين زوجته, ويحاولون إغراءها بعصيانه والتمرد على طاعته, فله حينئذ منعها, بل قد ذهب المالكية في هذه الحالة وهي حالة خوف إفساد أبويها لها إلى عدم المنع أيضا، جاء في حاشية الدسوقي: فإذا ادعى الزوج إفساد أبويها لها وأثبت دعواه ببينة قضي بخروجها مع أمينة وأجرة الأمينة على الأبوين لأنهما ظالمان, والظالم أحق بالحمل عليه وقد انتفعا بالزيارة, فإن كان ضرر الأبوين مجرد اتهام فالأجرة على الزوج لانتفاعه بالحفظ. انتهى.

أما لو كان الأمر بخلاف ذلك ولم تكن هناك مفاسد من زيارتها لأهلها, فلا ينبغي للزوج أن يمنعها من ذلك، بل ينبغي له أن يعينها ويحفزها على ذلك؛ لأن صلة الأرحام من أعظم القربات التي يتقرب بها إلى الله جل وعلا.

والله سبحانه يقول: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة:2}. وأيضا فإن زيارتها لأهلها وأرحامها يطيب خاطرها، ويدخل السرور عليها، وعلى أولادها ، وكل ذلك يعود بالنفع على الزوج والأسرة.

ولكن في الوقت نفسه لا ينبغي للزوجة أن تخرج سواء لأبويها أو لغيرهما بدون إذن الزوج, وعلى الزوج ألا يتعسف في استعمال حقه الشرعي لمنعها من البر والصلة, وننبه أيضا أنه ينبغي للمرأة في خروجها أن تراعي التعاليم الشرعية في لبسها ومشيتها وتعاملها مع الأجانب ونحو ذلك.

وأما امتناع الزوجة من زيارة أهله إذا دعاها إلى ذلك, بسبب منعها من زيارة أهلها فلا ينيغي, وإذا كان الزوج قد ارتكب خطأ في هذا فلا ينبغي أن تقابل الزوجة هذا بمعصية الله ومخالفة أمر زوجها الذي له عليها حق الطاعة بالمعروف, وليس لها أيضا أن ترفض دخول أهله في بيتها، لأن ذلك مما يسوء زوجها ويوغر صدره بل عليها أن تصبر ابتغاء رضوان الله ومغفرته, اللهم إلا في حالة ما إذا ترتب على دخولهم لبيتها ضرر عليها من نحو أطلاعهم على ما لا تريد أن يطلعوا عليه ونحو ذلك, إذ لها الحق في سكن مستقل بها، فلها أن تمنع من يريد دخوله إذ لا ضرر ولا ضرار، أما غير المكان الخاص بها من البيت فليس لها حق في الاعتراض على دخول أهل الزوج فيه ولا يعد ظلما لها، ولكن لا يجوز لزوجها أن يرغمها على استقبالهم أو خدمتهم لأنه لا يجب على المرأة شرعا خدمة أهل الزوج ولا أقربائه وإنما يجب عليها خدمة زوجها فقط.

وفي النهاية إن كنت قد وصلت مع زوجك في هذا الأمر إلى طريق مسدود، فإنا ننصحك بأن تعرضي أمرك على بعض أهل العلم والخير في بلدك ممن لهم تأثير على زوجك وتطلبين تحكيمهم في هذا الأمر, نسأل الله سبحانه أن يهديك إلى أرشد الأمور.

ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 20950, 4180، 50343.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني