الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

فتاوى حول حكم وقوف الجندي لقائده والتحية العسكرية وتقصير اللحية

السؤال

أولا: ما حكم وقوف الجندي لقائده من باب الاحترام والتقدير وليس من باب التعظيم؟
ثانياً: ما حكم التحية العسكرية من الجندي لقائده وهيئتها رفع الكف بجانب الأذن اليمنى وذلك أيضاً من باب الاحترام والتقدير ؟
ثالثا: ما حكم تقصير اللحية وليس حلقها من باب المحافظة على نمط عسكري معين ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فبداية نسأل الله العظيم أن يعز الإسلام وأهله، وأن يذل الكفر وأهله، وأن ينجي المستضعفين من المسلمين، وأن ينصر المجاهدين لنصرة هذا الدين. اللهم آمين.

وبعد، فقد اختلف أهل العلم في مسألة القيام للقادم لاختلاف في فهم الآثار الواردة في ذلك، ومن أفضل ما قيل في الجمع بينها ما قاله أبو الوليد بن رشد في كتابه البيان والتحصيل: وحاصله أن القيام يقع على أربعة أوجه:

الأول: محظور، وهو أن يقع لمن يريد أن يقام له تكبراً وتعاظما على القائمين إليه.

والثاني: مكروه، وهو أن يقع لمن لا يتكبر ولا يتعاظم على القائمين، ولكن يخشى أن يدخل نفسه بسبب ذلك ما يحذر، ولما فيه من التشبه بالجبابرة.

والثالث: جائز، وهو أن يقع على سبيل الإكرام لمن لا يريد ذلك ويؤمن معه التشبه بالجبابرة.

والرابع: مندوب، وهو أن يقوم لمن قدم من سفر فرحاً بقدومه ليسلم عليه، أو إلى من تجددت له نعمة فيهنيه أو مصيبة فيعزيه.

قال: فعلى هذا يتخرج ما ورد في هذا الباب من الآثار ولا يتعارض شيء منها.

ومن أهل العلم من جعل الأصل في القيام الحظر إلا ما كان لصاحب ولاية أو عالم أو والد أو سيد في قومه، وعلى هذا جرى صاحب منظومة الآداب فقال:

وَكُلُّ قِيَامٍ لاَ لِوَالٍ وَعَالِمٍ وَوَالدِهِ أَوْ سَيِّدٍ كُرْهَهُ امْهَدِ.

وقال ابن كثير في تفسيره: اختلف الفقهاء في جواز القيام للوارد إذا جاء, على أقوال: فمنهم من رخص في ذلك محتجًّا بحديث: قوموا إلى سيدكم.

ومنهم من منع من ذلك محتجًّا بحديث: من أحَبَّ أن يَتَمثَّلَ له الرجال قيامًا فَلْيَتبوَّأ مَقْعَدَه من النار.

ومنهم من فصل فقال: يجوز عند القدوم من سفر، وللحاكم في محل ولايته، كما دلت عليه قصة سعد بن معاذ .. وما ذاك إلا ليكون أنفذ لحكمه، والله أعلم. فأما اتخاذه ديدنًا فإنه من شعار العجم. وقد جاء في السنن أنه لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان إذا جاء لا يقومون له، لما يعلمون من كراهته لذلك. .

ومن أهل العلم من فرق في الحكم باعتبار المقصد: هل هو الاحترام أو الإعظام؟ فقال الغزالي في إحياء علوم الدين: القيام مكروه على سبيل الإعظام، لا على سبيل الإكرام

قال ابن حجر: وهذا تفصيل حسن.

وقال القاري: لعله أراد بالإكرام القيام للتحية بمزيد المحبة، كما تدل عليه المصافحة، وبالإعظام التمثل له بالقيام هو جالس على عادة الأمراء الفخام.

وقال الرملي: يُسْتَحَبُّ الْقِيَامُ لِمُسْلِمٍ فِيهِ فَضِيلَةٌ مِنْ عِلْمٍ أَوْ صَلَاحٍ أَوْ شَرَفٍ أَوْ وِلَادَةٍ أَوْ وِلَايَةٍ مَصْحُوبَةٍ بِصِيَانَةٍ , وَيَكُونُ الْقِيَامُ لِلْبِرِّ وَالْإِكْرَامِ وَالِاحْتِرَامِ لَا لِلرِّيَاءِ وَالْإِعْظَامِ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يُسْتَحَبُّ الْقِيَامُ لَهُ، وَهُوَ جَائِزٌ.

ومن أهل العلم من نص على مراعاة المفسدة المترتبة على عدم القيام.

فقال ابن حجر: وفي الجملة متى صار ترك القيام يشعر بالاستهانة أو يترتب عليه مفسدة امتنع، وإلى ذلك أشار ابن عبد السلام.

وقال ابن الجوزي: وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج لا يقومون له لما يعرفون من كراهته .. وهذا كان شعار السلف، ثم صار ترك القيام كالإهوان بالشخص، فينبغي أن يقام لمن يصلح.

وقال ابن حجر الهيتمي: إِذَا تَأَذَّى مُسْلِمٌ بِتَرْكِ الْقِيَامِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَامَ لَهُ؛ فَإِنَّ تَأَذِّيهِ بِذَلِكَ مُؤَدٍّ إلَى الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ..

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: والناس إذا اعتادوا القيام وإن لم يقم لأحدهم أفضى إلى مفسدة، فالقيام دفعا لها خير من تركه. وينبغي للإنسان أن يسعى في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وعادتهم واتباع هديهم..

وقال أيضا: السلف وإن لم يكن من عادتهم قيام بعضهم لبعض ولا لمثل القادم من غيبة ونحو ذلك، ولم يكن أحد أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكونوا يقومون له لما يرون في وجهه من كراهته لذلك، والأفضل للناس اتباع السلف في كل شيء.

وهذا الذي نبه عليه شيخ الإسلام من السعي في اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وعادتهم وهديهم، هو الذي ينبغي لكل من ولاه الله أمرا من أمور المسلمين. فيجتهد في تمييز المسلمين وتميُّزهم على غيرهم، وصبغهم بما يناسب هويتهم الإسلامية، وتخليصهم من ربقة التقليد الأعمى لأعدائهم، فإن لهذا أعظم الأثر في رفعتهم ورفع الذل والصغار عنهم؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي، وَجُعِلَ الذُّلُّ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ رواه أحمد والبخاري معلقا وصححه الألباني.

ثم ينبغي التنبه إلى أن الحكم السابق للقيام هو ما يخص القائم نفسه، أما الذي يقام له فينبغي أن يكره ذلك، بل وينهى عنه؛ فقد خَرَجَ مُعَاوِيَةُ ـ وهو خليفة المسلمين ـ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ وَابْنِ عَامِرٍ فَقَامَ ابْنُ عَامِرٍ وَجَلَسَ ابْنُ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لِابْنِ عَامِرٍ: اجْلِسْ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَمْثُلَ لَهُ الرِّجَالُ قِيَامًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ. رواه أبو داود والترمذي وحسنه وأحمد وصححه الألباني.

وقال أَنَس: لَمْ يَكُنْ شَخْصٌ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانُوا إِذَا رَأَوْهُ لَمْ يَقُومُوا لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ كَرَاهِيَتِهِ لِذَلِكَ. رواه الترمذي وقال: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ وأحمد وصححه الألباني .

وانظر تفصيل الكلام في هذه المسألة في: المدخل لابن الحاج المالكي، فتح الباري لابن حجر الشافعي، الآداب الشرعية لابن مفلح الحنبلي ، غذاء الألباب شرح منظومة الآداب للسفاريني الحنبلي، الموسوعة الفقهية الكويتية.

وقد سبق الكلام باختصار عن القيام للقادم خلال الفتوى رقم: 64984.

وأما مسألة التحية العسكرية، وهي أيضا مما أخذناه من العادات الغربية غير الإسلامية، فاستبدلنا الذي هو أدني بالذي هو خير، حيث استبدلنا ذلك بالسلام الذي هو تحية أهل الجنة، والذي أمرنا الشرع بإفشائه. وقد سبقت فتوى في بيان الأهمية البالغة لإفشاء السلام في المجتمع في الفتوى رقم: 42715.

ومع ذلك ففيه من المحاذير الشرعية أنه سلام بالإشارة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا، لَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَلَا بِالنَّصَارَى؛ فَإِنَّ تَسْلِيمَ الْيَهُودِ الْإِشَارَةُ بِالْأَصَابِعِ، وَتَسْلِيمَ النَّصَارَى الْإِشَارَةُ بِالْأَكُفِّ. رواه الترمذي وحسنه الألباني.

و قال عطاء بن أبي رباح: كانوا يكرهون التسليم باليد. رواه البخاري في الأدب المفرد وابن أبي شيبة في مصنفه وصححه الألباني.

وقال ابن حجر في فتح الباري: لا تكفي الإشارة باليد ونحوه ، وقد أخرج النسائي بسند جيد عن جابر رفعه : لا تسلموا تسليم اليهود فإن تسليمهم بالرءوس والأكف، ويستثنى من ذلك حالة الصلاة .. وكذا من كان بعيدا بحيث لا يسمع التسليم يجوز السلام عليه إشارة ويتلفظ مع ذلك بالسلام.

وجاء في الموسوعة الفقهية: لاَ تَحْصُل سُنَّةُ ابْتِدَاءِ السَّلاَمِ بِالإِْشَارَةِ بِالْيَدِ أَوِ الرَّأْسِ لِلنَّاطِقِ، وَلاَ يَسْقُطُ فَرْضُ الرَّدِّ عَنْهُ بِهَا . لأَِنَّ السَّلاَمَ مِنَ الأُْمُورِ الَّتِي جَعَل لَهَا الشَّارِعُ صِيَغًا مَخْصُوصَةً، لاَ يَقُومُ مَقَامَهَا غَيْرُهَا، إِلاَّ عِنْدَ تَعَذُّرِ صِيغَتِهَا الشَّرْعِيَّةِ. وَتَكَادُ تَتَّفِقُ عِبَارَاتُ الْفُقَهَاءِ عَلَى الْقَوْل: بِأَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنَ الإِْسْمَاعِ، وَلاَ يَكُونُ الإِْسْمَاعُ إِلاَّ بِقَوْلٍ .

وقال الشيخ ابن باز: لا يجوز السلام بالإشارة ، وإنما السنة السلام بالكلام بدءا وردا . أما السلام بالإشارة فلا يجوز؛ لأنه تشبه ببعض الكفرة في ذلك؛ ولأنه خلاف ما شرعه الله، لكن لو أشار بيده إلى المسلم عليه ليفهمه السلام لبعده مع تكلمه بالسلام فلا حرج في ذلك؛ لأنه قد ورد ما يدل عليه.

وقَالَ النَّوَوِيّ: لَا يَرِدُ عَلَى هَذَا حَدِيث أَسْمَاء بِنْت يَزِيد مَرَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِد وَعُصْبَة مِنْ النِّسَاء قُعُود فَأَلْوَى بِيَدِهِ بِالتَّسْلِيمِ " فَإِنَّهُ مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ اللَّفْظ وَالْإِشَارَة , وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثهَا بِلَفْظِ " فَسَلَّمَ عَلَيْنَا.

وقد سبق بيان أن التسليم بالإشارة خلاف الأولى في الفتوى رقم: 45617.

وقد سئل الشيخ ابن عثيمين عن التحية العسكرية بخصوصها فقال: الجمع بين السلام القولي والإشارة لا بأس به، مثل أن يقول: السلام عليكم، لكن الضرب بالرجل هذا ليس له أصل إطلاقاً، ولا ينبغي أن يضرب بالرجل، فربما يؤثر على رجله أو يؤثر على الأرض التي تحته إذا كانت من خشب أو ما أشبه ذلك، ولكن نرجو الله سبحانه وتعالى أن يهدي المسلمين إلى إلغاء مثل هذه الأمور، وإلى أن ينظروا إلى من سبقهم من هذه الأمة، لا إلى من تخلف عنهم من الأمم الحاضرة، نحن مسلمون والأولى بنا أن نقتدي بهدي المسلمين، إذا مر قال: السلام عليكم، وإذا كان بعيداً جمع بين الإشارة والقول، وإذا كان أصم جمع له أيضاً بين القول والإشارة، أما بدون ذلك مثل أن نقتصر على الإشارة فقط فهذا غلط. ثم إني رأيت بعض الجنود صاروا يسلمون تسليماً غريباً يعكف يده على صدره، نسأل الله أن يهدي المسئولين إلى اتباع هدي السلف الصالح.

إذا مر الضابط عليه أن يسلم فيقول: السلام عليكم؛ لأن أخاه هذا مسلم، وإن كان أقل منه رتبة، والثاني يقول: وعليكم السلام، والله لو فعلوا هذا كان هذا دعاء وعبادة وثواب وأجر، الآن الجيش كلهم معتادون الدعاء لهم بالسلامة، فهل أفضل أن نقول: السلام عليكم؛ لأنهم كلهم يريدون السلامة، فنرجو الله تعالى أن يفطن المسئولون لهذا الأمر، وأن يكون لهم شعار خاص، وهو الشعار الذي كان عليه الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه لقاء الباب المفتوح. دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية.

وقال الشيخ حمود التويجيري في الدرر السنية في الكتب النجدية: ومن التشبه بأعداء الله تعالى: الإشارة بالأصابع عند السلام، وكذلك: الإشارة بالأكف مرفوعة إلى جانب الوجه، فوق الحاجب الأيمن، كما يفعل ذلك الشُّرَط وغيرهم، وكذلك ضرب الشرط بأرجلهم عند السلام. ويسمون هذا الضرب المنكر، والإشارة بالأكف: التحية العسكرية، وهي: تحية مأخوذة عن الإفرنج وأشباههم من أعداء الله تعالى، وهي بالهزء والسخرية أشبه منها بالتحية.

أما بالنسبة لتقصير اللحية من باب المحافظة على نمط عسكري معين، فهذا أيضا خلاف الأولى، وغاية الرخصة فيه لمريد هذه الفضيلة هو أخذ ما زاد على القبضة. وقد سبق بيان أقوال العلماء في الأخذ من اللحية في الفتوى رقم: 14055، والفتوى رقم: 71215، وبيان أن من أهل العلم من رخص في أخذ ما زاد على القبضة من اللحية وذلك في الفتوى رقم: 3851.

كما سبق بيان حرمة حلقها في عدة فتاوى منها: 2711 ، 5442 ، 4682 ، 19539 ، 20178 ، 14055 ، 21149 ، 49847.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني