الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

القول بأن متأخري المالكية والشافعية أشاعرة فيه نظر

السؤال

كيف يصح نسبة متأخري الشافعية والمالكية إلى التمشعر بالإجمال، هل غاب عن الناس كيف اهتدى الشوكاني إلى منهج أهل السنة مع أنه لم يكن يوما من الحنابلة، وأنا بدوري شافعي وسلفي في آن واحد؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فشكرَ الله لك انتماءك لمذهب السلف، ومذهبُ الشافعي في الفروع من أحسن المذاهب وأجمعها بين المعقول والمنقول، ولقد وضع الشافعي قاعدة مذهبه الكبرى بقوله: إذا صح الحديث فهو مذهبي، والشافعي رحمه الله كان كسائر إخوانه من الأئمة سلفي المعتقد سني الطريقة، فيلزم كل من ادعى النسبةَ إلى مذهب الشافعية في الفروع أن يكون شافعياً كذلك في الأصول وإلا لزمه تبديعُ إمام المذهب أو الكذب عليه ونسبته إلى ما لم يقل به، ونفس الكلام يُقال في حقِ مالكٍ رحمه الله ومذهبه، وقد كان أصحاب مالكٍ والشافعي متَّبعين للسنةِ في جميع أمرهم، معظمين للدليل كل التعظيم، وهل أحمد على عظم قدره إلا من أصحاب الشافعي؟ ، ثم لما مضى بالناس الزمن وفشى التقليد كان أصحابُ الأشعري قد نشروا مذهبه في المرحلةِ المتوسطة من حياته، وهو المذهبُ الذي رجع عنه وأعلن انتماءه إلى مذهب السلف، وانظر الفتوي رقم: 5719، وأطبقَ كثيرٌ من الناس على هذا المذهب معْ ما فيه من المخالفات ووقع في حبائله كثيرٌ من المشتغلين بالفقه الذين لم يعتنوا بتحريرِ المسائل الأصلية ظانين أنه الحق – والله يغفر لهم - ، حتى صار كثيرٌ من متأخري الشافعيةَ والمالكية على هذه الطريق، ولكن كان جهابذةٌ من النقاد وفحولٌ من العلماء يخلعون من أعناقهم ربقة التقليد، وييمِّمون صوب الحق حيثُ كان، فإطلاقك أن متأخريّ الشافعية والمالكية كانوا أشاعرة فيه نظر، فقد وُجد منهم عبر العصور من رفع لواء السنة وانتصر لها جُهده، والذهبيّ والمزي وابن كثير من الشافعية الذين كان لهم باعٌ عريضٌ في نُصرة السنة، بل المشتغلون بالحديثِ من الشافعية لا يَصدق عليهم أنهم أشاعرة، فمن الظلمِ البين أن يُقال عن الإمام النووي والحافظ ابن حجر إنهما من الأشاعرة، فكلام الرجلين في مسائل الإيمان والقدر يوافق مذهب أهل الحديث ولا يمتُّ إلى مذهب الأشعرية بصلة، نعم وقعت لهما أغلاط في تأويل بعض الصفات – والله يغفر لهما – فمن ذا الذي يعرى من الغلط؟، وأما المالكية فعقيدةُ ابن أبي زيد وكلام أبي عمر بن عبد البر وغير هذا كثير من أعظمِ الشواهد على رسوخِ قدم جماعةٍ كثيرة منهم في السنة وإمعانهم في نُصرتها، وهذا العلامةَ المبارك محمد الأمين الشنقيطي صاحبُ أضواء البيان، من أعيان هذا العصر علماً وعملا وهو غُرةٌ في جبين المالكية ونصرته للسنة معلومة، فلا مانع أبداً بين أن يكونَ المرء متمذهباً بأحد المذاهب الأربعة مع الحرصِ على متابعة الدليل في الفروع وبين أن يكون سلفي المعتقد متابعاً في ذلك للأئمة الأربعة، وإذا طلب الإنسانُ الحق وصدقَ في طلبه ذلك فالله لن يُخيبه، والشوكاني رحمه الله مثالٌ واضحٌ لنُصرة الحق ونبذ التقليد الأعمى واتباع الدليل.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني