الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من يتوب ثم ينكث في توبته وهل له توبة

السؤال

أنا إنسان مسلم أصلي يوما أو يومين ثم أتكاسل عنها أياما ليس جحودا والعياذ بالله وإنما كسلا ثم أعود وأبكي على ذنوبي وأعود للصلاة وهكذا.. صار لي سنتان على هذا الطريق ربما العشرين عاما،
أدخل إلى عالم الإنترنت فأشاهد المواقع الإباحية والأفلام. أمارس العادة السرية رغم أنني متزوج ولي أبناء.
لم أعد أثق في توبتي إذا كانت لي توبة أصلا فكلما تبت عدت إلى مصائبي أخشى حتى لو مت وأنا تائب أن أقف بين يدي ربي أن يقول لي: إنك كنت كثير النكوث في توبتك.
إذا قلت لي صاحب الصالحين سأقول: إنهم قليلون في بلدي إن لم أقل معدومين.
فجزاكم الله خيرا هل لي من توبة رغم كثرة النكوث، والله إنني أعيش في عذاب فأرجو منكم الجواب. وما هي الطريقة التي تجعلني أثبت على التوبة. وهل إذا مت وأنا تائب أذوق النار لأنني فرطت في الصلاة المكتوبة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فيا أخي الكريم نسأل الله أن يتوب عليك، اعلم أن ما ذكرت من أمرك وهو عدم الانتظام في الصلاة هو أمر عظيم وجد خطير ، فإن الصلاة هي عماد الدين وأحد أركان الإسلام الخمسة ، فقولك: إنك تقطعها أحياناً فهذا أمر لا يجوز، بل عند بعض العلماء أن ترك الفريضة الواحدة كفر كما هو إحدى الروايات عن الإمام أحمد وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر. رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة وصححه الألباني. وقال صلى الله عليه وسلم: بين العبد وبين الشرك ترك الصلاة. رواه مسلم عن جابر .

وقد ذم الله وتوعد من أخر الصلاة عن وقتها فما بالك بمن تركها في بعض الأوقات، قال الله تعالى: فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا {مريم:59}.

وورد عن ابن عباس وابن مسعود كما في تفسير القرطبي: أن المقصود بإضاعة الصلاة هو إخراجها عن وقتها المحدد لها شرعاً،

وقال الله تعالى: حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ {البقرة:238} وقال تعالى: إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا {النساء:103}

وعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولا تترك صلاة مكتوبة، فمن تركها متعمداً فقد برئت منه الذمة. رواه ابن ماجة وصححه الألباني.

وراجع الفتوى رقم: 3830 ، 1195 .

وأما تصفحك على الإنترنت لمشاهدة المواقع الإباحية فهو أمر محرم، فمن الواجب عليك أن تقلع عن هذا الأمر فوراً، قال الله تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ {النــور:30}

واعلم أن مداومة النظر لهذه المواقع قد يجر العبد إلى ما هو أكبر منه، فقد يصل به الأمر إلى الزنى أو غير ذلك.

وأما قيامك بالاستمناء فهو محرم؛ لقول الله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ*إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ {المعارج:30،29} ففعل الاستمناء محرم ، وهو من المتزوج أشد حرمة. وراجع الفتوى رقم: 7170 ، 6617 .

فعليك أخي الكريم أن تتقي الله وتعلم أنه مطلع عليك في السر والعلن، وتستحي منه سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: سَوَاء مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ {الرعد:10}

فهو سبحانه وتعالى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، فعليك أن تتقي الله، وتتخذ كل السبل الميسرة لكي تقلع عن هذه الأمور التي فيها فساد للقلوب وقسوة في القلب، ومما يعينك على التوبة من هذا الأمر أن لا تفتح هذه المواقع، وإن سولت لك نفسك بفعله مرة أخرى، فلتخرج فورأ وتغادر المكان، وحاول أيضاً أن لا تختلي بنفسك أثناء جلوسك على الإنترنت وتذكر دائما أن الله يراك ويعلم ما أنت عليه .

ونقول لك عليك بالتوبة إلى الله ولا تقنط من رحمة الله، قال تعالى: قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ {الحجر:56}

و أما عيشك في عذاب فهو بسبب إعراضك عن الله ومخالفة أمره سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى. {طـه:124}.

فعليك بالتوبة إلى الله وهي واجبة عليك ولا تمل من التوبة.

قال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}.

فعليك بالإقبال على الله تعالى واللجوء إليه والاستعانة به حتى يكفيك من الشيطان الرجيم وكيده ، فإن الشيطان هو الذي يوسوس إليك دائما بعدم التوبة إلى الله حتى يفسد عليك دينك ، قال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {آل عمران:135}.

وقال الله تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {النــور:31}

فالتوبة التوبة أخي الكريم ، فاندم على ما فعلت، واعزم على أن لا تعود ، وأقلع عن الذنب فوراً ، قال الله تعالى : إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الفرقان:70}.

وعليك بكثرة الأعمال الصالحة ، وأكثر من ذكر الله تعالى واستغفاره يتوب الله عليك.

واعلم أنك لو صدقت في توبتك مع الله فسوف يقبل الله توبتك، ولو تاب الله عليك وقبل توبتك فإن التوبة تجب ما قبلها إن كانت صادقة ، فتب إلى الله ولا تمل. وراجع الفتوى رقم: 31318. والفتوى رقم: 24031.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني