الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

جواز التصريح بالعورة عند الحاجة والضرورة للصائم وغيره

السؤال

جاء في الحديث الشريف فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فهل يدخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم (لا يرفث) مقدمات الجماع كالكلام الرومنسي المثير للشهوة والتقبيل المثير كذلك أم أن المعنى خاص بالسباب والشتائم المحرمة، وكيف نجمع بين هذا الحديث والحديث الذي في مسند أحمد من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا، فهل هذا يكون في غير رمضان أم أن لكل مقام مقال فيكون السب جائزاً في بعض الحالات كمن تعزى بعزاء الجاهلية؟ وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فمعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم فلا يرفث عامٌّ يشمل الكلام الفاحشَ البذيء، والكلام في دواعي الجماع ومقدماته، قال الحافظ: (وقوله: فلا يرفث) أي الصائم، كذا وقع مختصرا، وفي الموطأ: الصيام جنة، فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث.. الخ ، ويرفث بالضم والكسر ويجوز في ماضيه التثليث، والمراد بالرفث هنا وهو بفتح الراء والفاء ثم المثلثة: الكلام الفاحش، وهو يُطلَق على هذا وعلى الجماع وعلى مقدماته وعلى ذكره مع النساء أو مطلقا، ويحتمل أن يكون لما هو أعم منها. انتهى.

وعلى هذا؛ فما وصفته بالكلام الرومانسي المثير للشهوة هو مما لا ينبغي للصائم، لأنه ذريعةٌ إلى ما لا تُحمدُ عقباه، وأما القبلة للصائم فالخلافُ فيها معروفٌ عند أهل العلم، والصحيح أنها إن كانت تحرك الشهوة لم تجز وإلا جازت، وسؤالك إنما هو عن التقبيلِ المثير للشهوة، وهذا النوع من التقبيل للصائم أقلُ أحواله الكراهة لما يتضمنه من الذريعةِ القوية للجماع، وقد قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل ويباشر وهو صائم، وكان أملككم لإربه. متفق عليه.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المباشرة للصائم؟ فرخص له. وأتاه آخر فسأله فنهاه. فإذا الذي رخص له شيخ، والذي نهاه شاب. رواه أبو داود وسكت عنه، وقال النووي: إسناده جيد، وإنما رخص للشيخ دون الشاب لأن الشاب مظنة ثوران الشهوة.

وأما الحديث المسؤول عنه فصحيحٌ ثابت، واعلم أولاً أن الصائم مأمورٌ بتركِ السباب والمشاتمة؛ بل هو مأمورٌ بدفع السيئةِ بالحسنة، فإن سابّه أحدٌ أو شاتمه فليقل: إني صائم كما ثبت في الحديث. مع أنه يجوزُ له أن ينتصرَ لنفسه ويُعاقبَ بمثلِ ما عوقبَ به، لقوله تعالى: وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ {الشوري:41}، والحديثُ المسؤول عنه ليس من هذا الباب، فليس قوله في الحديث: فأعضوه بهنِ أبيه. من باب الرفث، ولا الفسوق حتى يُتوهم التعارض، بل هذا من العقوبة لمن ارتكب هذا الذنب، وهو التعزي بعزاء الجاهلية، تماماً كما أن الصائم وغيره ممنوعٌ من ضربِ إنسان وأذيته، فإذا ضربه في حدٍ أو عقوبة شرعية لم يكن ذلك داخلاً في المنع، والتصريحُ بذكر العورات قد يجوزُ أو يُستحبُ لمصلحةٍ راجحة.

قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى: ثم إن كل واحد من إظهار ذلك للسمع والبصر يباح للحاجة، بل يستحب إذا لم يحصل المستحب أو الواجب إلا بذلك، كقول النبي لماعز: أنكتها؟ وكقوله : من تعزى الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا، ومن ذلك قول الصديق رضي الله عنه لعروة بن مسعود في الحديث الطويل الذي رواه البخاري وغيره: امصص ببظر اللات. فهذا لقبح قوله وفعله قابله الصديق بكلام يزجره.

والتصريح بالعورة يجوز عند الحاجة والضرورة، كما سبق تصريح النبي صلى الله عليه وسلم بقوله لماعز: أنكتها؟ وهذا حتى لا يلتبس عليه الأمر بشبهة تقبيل أو غير ذلك ولكل مقام مقال.

وقال ابن القيم في زاد المعاد: وكان ذكر هِن الأب هاهنا أحسن تذكيراً لهذا المتكبر بدعوى الجاهلية بالعضو الذي خرج منه؛ وهو هن أبيه، فلا ينبغي له أن يتعدى طوره.
وقال المناوي في فيض القدير: وخص الأب لأن هتك عورته أقبح. وقال: فإنه جدير بأن يستهان به ويخاطب بما فيه قبح وهجر؛ زجرا له عن فعله الشنيع، وردعا له عن قوله الفظيع.

وبه تعلم أن هذا الحديثَ عام يستعمله الصائم وغيره لما فيه من التنكيل بمرتكب هذا الذنب.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني