الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أجبرها أهلها على الزواج في صغرها من رجل لا تريده

السؤال

أنا امرأة عمري 25عاما تزوجت منذ8 سنوات وكم أكره هذه اللحظة لدي ابنتان أعيش مع زوجي وأنا لا أطيقه لقد أرغموني أهلي على الزواج به وأقسم بالله أني حاولت عدم الزواج به وضربت من أهلي لكن شاء الله سبحانه أن يكون هو قسمتي إني أعيش معه ولا أستطيع أن أحبه رغم إنجابي منه طفلتين لم أحسه يوما بأنه شريك حياتي أعيش معه مرغمة لأني لا استطيع الطلاق لمعارضة أهلي ولأني لا أجد في الانفصال عنه حلا لمشكلتي لأني لن أستطيع بدء حياة جديدة بعد إنجابي طفلتين لا ذنب لهم وأقسم بالله أني لم أرد يوما أن أنجب منه لكن شاء الله كم أغبط من تتزوج وتكون سعيدة بأنها ستتزوج وأحلم بأن يرجع عمري إلى الوراء وأتزوج شخصا يملأ عيني وقلبي وأحس بالسعادة التي أراها في عيون من تتزوج أقسم بالله أني لم أحس بالسعادة يوما لأني تزوجت بل عندما أذكر زواجي أبكي من قلب ضعيف لاحول له ولا قوة لأني أكره تلك الأيام أشد الكره أحقد على والدي ووالدتي وإخوتي لأنهم زوجوني له كل يريد مصلحته على حسابي والله لا أطمع بأن أكون أفضل من غيري لكن أتمنى أن أشعر بالسعادة كغيري أحيانا أقول هل أنا سيئة لهذا الحد حتى يجعله الله من نصيبي لكني أؤدي فروضي كلها لكن الله لم يقف لجانبي ويعينني حتى لا أتزوجه أعيش معه خوفا من شبح الطلاق وخوفا على أولادي ولأنه ليس معي شهادة تعينني على العيش بمفردي أنا وطفلتي رغم أني كنت مجدة بدراستي سؤالي لكم هل عيشي معه فيه أجر لي في الآخرة رغم أني أعيش لأني مجبرة لا لأني راضية بحكم الله تعالى بي إن لم يكن غضب أو كره من الله لي فلا أبالي وإن كان لي أجر بالآخرة فمرحبا بالعذاب أم أني أظلم نفسي التي لم تعد تطيق أليست الغاية من الزواج صون النفس أنا لم أكن يوما سعيدة لأني متزوجة وأتمنى لو أن الله كتب نصيبي على غيره وهل علي إثم في كره أهلي رغم أنهم اعتذروا مني لكني لا أستطيع مسامحتهم على ما فعلوه لأن ما كسروه أعمق من أن يصلح هل سيحاسبني الله على دعائي عليهم عندما أغضب حتى أني أدعو على أمي المتوفاة كلما ضاق صدري وعلى أبي وإخوتي وأتمنى لهم الضرر كما ضروني لماذا لم يقف الله تعالى إلى جانبي هل لأني إنسانة سيئة أين الخير في أن جعل نصيبي شخصا لا أحبه ولا أستطيع أن أخلص له قلبي رغم أني لا أقع في المعاصي لا حبا به لكن خوفا من ربي ومن عقابه، كيف أحبه لا أعلم وكيف أرضى بحكم الله تعالى، أرجوكم إن كان لديكم حل فأعينوني وإن لم تجدوا لي حلا فادع لي الله تعالى أن يفرج كربتي؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد كفل الإسلام حرية اختيار الزوج لكل من الرجل والمرأة فلا يجوز لأحد أن يرغم الشاب على الزواج من امرأة لا يريدها, وكذلك فليس لأحد أن يجبر الفتاة على الزواج من رجل لا تريده, ففي الحديث المتفق على صحته: لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن، قيل: وكيف إذنها ؟ قال: أن تسكت.

فإذا زوجت المرأة بكرا كانت أو ثيبا بغير إذنها فإنها تخير بين إجازة النكاح أو رده, جاء في زاد المعاد لابن القيم: ثبت عنه في الصحيحين: أن خنساء بنت خدام زوجها أبوها وهي كارهة، وكانت ثيبا، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرد نكاحها. وفي السنن: من حديث ابن عباس: أن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت له أن أباها زوجها وهي كارهة، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم. وهذه غير خنساء، فهما قضيتان قضى فى إحداهما بتخيير الثيب، وقضى في الأخرى بتخيير البكر.

وثبت عنه في الصحيح أنه قال: لا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا: يا رسول الله: وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت.

وفي صحيح مسلم: البكر تستأذن في نفسها، وإذنها صماتها.

وموجب هذا الحكم أنه لا تجبر البكر البالغ على النكاح، ولا تزوج إلا برضاها، وهذا قول جمهور السلف، ومذهب أبي حينفة وأحمد فى إحدى الروايات عنه، وهو القول الذى ندين الله به، ولا نعتقد سواه، وهو الموافق لحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره ونهيه، وقواعد شريعته، ومصالح أمته. انتهى.

فتبين من هذا أن أهلك قد أخطأوا في فعلهم وخالفوا أمر ربهم وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم حينما أكرهوك على الزواج بمن لا تريدين سامحهم الله فيما اكتسبوا.

والذي ننصحك به هو الرضا بما قدر الله تعالى، والالتجاء إليه سبحانه أن يرضيك بما قسم لك فهو لا يرد داعيه خائباً، وأن لا تتسخطي على قضاء الله تعالى، ولا تيأسي من روح الله تعالى.

واحذري من الوساوس والتخيلات فإنها خطيرة وعواقبها وخيمة، ولعل ما حصل هو الذي فيه الخير لك، وعسى أن يكون الله مدخراً لك ما هو افضل وأنفع، فإن الله سبحانه بصير بعباده عليم بما يصلحهم، واقرئي بتدبر ويقين بالله قوله تعالى: وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {البقرة:216}، وقوله تعالى: فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا {النساء:19}، وقوله تعالى: مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {التغابن:11}.

جاء في تفسير ابن كثير: وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ أي: ومن أصابته مصيبة فعلم أنها بقضاء الله وقدره، فصبر واحتسب واستسلم لقضاء الله هدى الله قلبه، وعوضه عما فاته من الدنيا هُدى في قلبه، ويقينا صادقاً، وقد يخلف عليه ما كان أخذ منه، أو خيراً منه. انتهى.

أما الدعاء على أهلك بسبب ذلك خصوصا الوالدين فلا يجوز بل الدعاء على الوالدين من أبشع صور العقوق وأشنعها, والله سبحانه قد أمر بالدعاء للوالدين بقوله: وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا {الإسراء:24} , فكيف نترك هذا الأمر القرآني الكريم وندعوا عليهما؟ وهل هذا إلا مضادة لأمر الله ومناقضة لشرعه.

واعلمي أيتها السائلة أن الحياة الزوجية وإن كان الأصل فيها أن تكون قائمة على الحب بين الزوجين، لكن ذلك لا يعني أنه يستحيل الاستمرار فيها بدونه، فثمة عوامل أخرى تمد هذه الحياة بمادة بقائها واستمرارها.
ومن هذه العوامل إحسان المرأة إلى زوجها بالصبر عليه، أو الإحسان إلى الأبناء إن وجدوا ببقاء رابطة الزواج قائمة، ومما يذكر هنا أن رجلاً جاء إلى عمر يريد أن يطلق زوجته معللاً ذلك بأنه لا يحبها، فقال له عمر: ويحك، ألم تُبْنَ البيوت إلا على الحب، فأين الرعاية وأين التذمم؟
والتذمم هو الإحسان إلى من يذم بترك الإحسان إليه.
وقال عمر لامرأة سألها زوجها هل تبغضه؟ فقالت: نعم، فقال لها عمر: فلتكذب إحداكن ولتجمل فليس كل البيوت تبنى على الحب، ولكن معاشرة على الأحساب والإسلام. أورده في كنز العمال.

فإن صبرت فلك الأجر العظيم من الله سبحانه.

فهذه نصيحتنا لك إذا كنت قادرة على استمرار الحياة الزوجية وأداء حقوق زوجك.

وأما إن كنت غير قادرة على استمرار الحياة الزوجية وخشيت أن يؤدي ذلك إلى تضييع حقوقه التي أمرك الله بها فلك أن تخالعيه قال تعالى: فإن خفتم ألاّ يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به .{البقرة: 229} وقد روى البخاري عن ابن عباس أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعتب في خلقه ولا دينه ولكن أكره الكفر في الإسلام .. الحديث .

فلم يعب عليها النبي صلى الله عليه وسلم بغضها إياه وطلبها الفراق مع استقامته، ويذكر في بعض الروايات أنه كان دميماً .

قال ابن قدامة في المغني: مسألة قال: والمرأة إذا كانت مبغضة للرجل، وتكره أن تمنعه ما تكون عاصية بمنعه فلا بأس أن تفتدي نفسها منه، وجملة الأمر أن المرأة إذا كرهت زوجها لخلقه أو خلقه أو دينه أو كبره أو ضعفه أو نحو ذلك, وخشيت أن لا تؤدي حق الله تعالى في طاعته جاز لها أن تخالعه بعوض تفتدي به نفسها منه. انتهى.

وللفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التاية: 33408 ، 62197 ،51872 ،69066 ،69038 .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني