الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الكذب لدفع هذا الظلم عن النفس

السؤال

أيام الدراسة كان الجميع يقولون عني أني ذكي وكان البعض يتكل علي في الفروض في يوم أمرنا أستاذ ببحث كل اثنين مع بعض فجاءني واحد يريد أن يلصق نفسه معنا ووافقت فقط بالإحراج وذهبت إلى الأستاذ فأذن لي ثم بعد ذلك تراجع بعد نهاية الفرض وأعطاني علامات ناقصة.. تكرر الأمر مرة أخرى وجائتني واحدة تريد إلصاق نفسها معنا فوافقت بالإحراج ولكن من الغد رفضت فغضبت كثيراً وبدأنا نتراشق بالتلميحات الدالة على الغضب ولا أذكر من الذي بدأ أولاً وتصاعد الغضب فبدأت هي بقلة الاحترام على ما أذكر فقلت لها كلاما بذيئا ولكن غير فاحش ذهبت إلى الشرطة فشكت وروت الحكاية ولكن بشكل تبدو فيه مظلومة وزادت كلاما فاحشا لم أقله...عند التحقيق روى لي الشرطي ما قالته وأنا عرفت كل شيء غير أني كنت أتظاهر بالبراءة التامة وتناسيت الكلام البذيء الذي هو أصلا أبدلته في أقوالها بكلام فاحش لم أقله وقلت إنني قلت لها كذا وكذا كلاما لا فاحشا ولا بذيئا.. وأول كلمة قلتها بعد أن تكلم الشرطي كإظهار للإنكار "أستغفر الله" لا أظنني تعمدتها بل خرجت من فمي حسب ما أذكر بدون قصد ثم يبدو أن الشرطي بعد التحقيق رآني من الأوائل وشكلي محترم وهي العكس ففي الآخر نهرها وقال لها اخرجي أتذكر أنني كنت أنوي الاعتراف الكامل بالتفاصيل كلها غير أن الوالدين والزميلة الشاهدة بقوا يزنون على أذني حتى تناسيت تلك الشتيمة التي قلتها ولم أكن أحتاج أن أغير غيرها في أقوالي كلها ونويت بعد ذلك إن وصل الأمر إلى المحكمة والقسم أن أقول كل شيء حتى لا أرتكب يمينا غموسا ولكن لم يحصل شيء حتى الآن، فما الحكم؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالمسلم كما عرفه النبي صلى الله عليه وسلم هو: من سلم المسلمون من لسانه ويده. متفق عليه.

فالشتم والسب لا يحل في دين الله تعالى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: سباب المسلم فسوق. متفق عليه. اللهم إلا أن يكون ذلك على سبيل الرد والمجازاة، وعندئذ فلا بد من العدل وعدم الزيادة في الاعتداء، ويبقى أن الصبر والحلم والعفو والصفح أولى وأفضل، لقوله تعالى: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ* وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ* إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ {النحل:126-127-128}، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجراً من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وصححه الألباني.

وقد سبق بيان ذلك وبيان أن الاستقامة وتجنب أسباب الغضب خير معين على ترك الشر.. وذلك في الفتوى رقم: 62602، والفتوى رقم: 65353.

وأما كذبك عند تحقيق الشرطة معك وإخفاؤك لما قلته من كلام بذيء فهو نوع من الكذب والخداع، وهذا لا يجوز في الأصل إلا أن السائل ذكر أن مخاصمته افترت عليه كلاماً فاحشاً لم يقله هو، وكذبها هذا ظلم ظاهر وادعاء باطل، فإن لم يكن من سبيل لدفع هذا الظلم عن نفسك إلا بالكذب جاز لك بالقدر الذي تدفع به الظلم عن نفسك وحسب.

قال ابن الجوزي في كشف المشكل: الكذب ليس حراماً لعينه، بل لما فيه من الضرر، والكلام وسيلة إلى المقاصد، فكل مقصود محمود يمكن أن يتوصل إليه بالصدق والكذب جميعاً فالكذب فيه حرام، وإن أمكن التوصل إليه بالكذب دون الصدق فالكذب فيه مباح إذا كان تحصيل ذلك المقصود مباحاً، وواجب إذا كان المقصود واجباً... إلا أنه ينبغي أن يحترز عنه ويورى بالمعاريض مهما أمكن. .

وبنحو ذلك قال الغزالي في الإحياء، والنووي في رياض الصالحين والأذكار، والألوسي في روح المعاني، وابن القيم في زاد المعاد، وأقره ابن مفلح في الآداب الشرعية، والبهوتي في كشاف القناع، والسفاريني في غذاء الألباب.

وننبه السائل الكريم إلى أن الدراسة في الجامعة المختلطة جسيمة الخطر عظيمة الضرر ولا تجوز إلا في حالة الحاجة الشديدة بشروط سبق بيانها في عدة فتاوى منها هاتان الفتويان: 2523، 56103.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني