الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الهبة والوصية إذا كانتا بقصد الإضرار بالورثة

السؤال

زوجات إخوتي يعاملونني معاملة جدا سيئة لدرجة أنني محرومة من رؤية أبنائهم وهذا يعذبني. ماعدا واحدة فهي تخاف الله وطيبة، ولدي كذلك أخت واحدة لديها بنتان، أنا لست متزوجة ووالدي متوفيان. أعمل.
سؤالي: هو هل يجوز أن أعطي ما أملكه من مال أو ذهب أو غيره لبنات أختي. سواء قبل الممات أو بعد الممات؟ فهن الوحيدات اللاتي لم أحرم من رؤيتهن ومداعبتهن....إلخ. أفيدوني فلا أريد أن أخطئ. ولا أريد أن أعطي غيرهم بسبب سوء المعاملة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

أما مالك حال الحياة فقد أطلق الشرع لك حرية التصرف فيه، طالما كان التصرف مشروعا، وكنت بالغة رشيدة، فيحق لك أن تهبيه لمن تشائين، أو تتصدقي به على من تشائين. وعلى هذا فلا حرج عليك إن أنت أعطيت مالك كله أو بعضه لبنات أختك على سبيل الهبة والعطية، بشرط ألا يصحب ذلك قصد حرمان أحد أو الإضرار به. أما إن كان ذلك بقصد الإضرار وحرمان إخوتك من ميراثك بعد الموت، فهذا لا يجوز ، لأن هذا الفعل يعتبر مشاقة لله ومناقضة لحكمته في تقسيم مال الميت بعد موته على ورثته، فإنه سبحانه قد قسم التركة قسمة عادلة، وأعطى كل ذي حق حقه.

فقال الله تعالى: لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا { النساء:7} وقال تعالى: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ {النساء :13-14 }

أما بخصوص الوصية به بعد الموت، فإن الوصية تجوز في حدود الثلث لغير الوارث، فلو أنك أوصيت لهن بشي من مالك فيما لا يتجاوز الثلث فإنه جائز، بشرط أن ينتفي قصد الإضرار بالورثة أيضا، فإن الوصية بقصد الإضرار بالورثة حرام وهو من الكبائر، قال تعالى: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ {النساء : 12}

قال ابن كثير : لتكون وصيته على العدل، لا على الإضرار والجور والحيف بأن يحرم بعض الورثة، أو ينقصه، أو يزيده على ما قدرَ الله له من الفريضة فمتى سعى في ذلك كان كمن ضاد الله في حكمته وقسمته. انتهى.

كما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: الإضرار في الوصية من الكبائر. رواه سعيد بن منصور بسند صحيح .

قال ابن القيم في كتابه "إعلام الموقعين": ومن الكبائر ترك الصلاة، ثم ذكر بعدها إلى أن قال: وقطيعة الرحم والجور في الوصية، وحرمان الوارث حقه من الميراث . انتهى.

فعليك أيتها السائلة أن تتقي الله سبحانه، وأن تذكري وقوفك بين يديه، ولا يحملنك ما كان من بعض إخوتك أو زوجاتهم من إساءة إليك أن تقصدي إضرارهم ومنعهم مما أوجبه الله لهم من المال، فإنك على الحقيقة لا تعطينهم شيئا لأن المال مال الله، والإنسان لا يملك ماله على الحقيقة، بل ما هو إلا مستخلف فيه ممتحن به هل سيضعه فيما أمر الله، أم يضعه فيما يخالف أمره.

قال سبحانه: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ {الحديد : 7}

جاء في تفسير الألوسي: أي جعلكم سبحانه خلفاء عنه عز وجل في التصرف فيه من غير أن تملكوه حقيقة. انتهى.

والله أعلم.


مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني