الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم مقولة أيها المعرض عنا ..إن إعراضك منا

السؤال

أيها المعرض عنا إن إعراضك منالو أردناك جعلنا كل مافيك يردناهل هذه المقولة جائزة أم لا ... ولماذا ؟حيث إننى أستمع إليها من كثير من الناس، وحين قلتها قال لى أخ كريم إنه لا يجوز أن نقول عن الله بصيغة المتكلم إلا ما قاله الله فعلا.أفيدونى مأجورين .... أحسن الله إليكم ونفع بكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

ففنون القول في اللغة العربية واسعة، والكلام إنما يفهم مراد قائله على مقتضى لغته وما تتيحه من أساليب، وهذا ما يعرف بعلوم البلاغة والبيان، ومثل هذه الأبيات المذكورة في السؤال ليس في مطلعها: (قال الله) ولا يخفى أن سامعها لن ينسب هذه الألفاظ بنفسها لله ويعتقد أن الله تكلم بها، وإنما سيدور في خلده معناها وفحواها، فيبقى النظر في صحة نسبة هذه المعاني لله سبحانه.

والمفهوم من هذه العبارة أن هداية الله للعبد تسبق اهتداءه، وتوبته عز وجل على عبده تسبق توبة عبده إليه، كما قال تعالى: ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ {التوبة: 118} قال ابن القيم في مدارج السالكين: أخبر سبحانه أن توبته عليهم سبقت توبتهم، وأنها هي التي جعلتهم تائبين، فكانت سببا ومقتضيا لتوبتهم، فدل على أنهم ما تابوا حتى تاب الله تعالى عليهم، والحكم ينتفي لانتفاء علته. ونظير هذا هدايته لعبده قبل الاهتداء، فيهتدي بهدايته فتوجب له تلك الهداية هداية أخرى، يثيبه الله بها هداية على هدايته اهـ.

فالله تعالى هو الذي يتفضل على من شاء من عباده فيوفقه لطاعته، كما قال تعالى: وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {النور: 21} فحقيقة أهل المعاصي أن الله تعالى لم يخترهم ولم يصطنعهم لنفسه، قال سبحانه: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ {القصص: 68} قال ابن كثير: يخبر تعالى أنه المنفرد بالخلق والاختيار، وأنه ليس له في ذلك منازع ولا معقب فقال: { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ } أي: ما يشاء، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، فالأمور كلها خيرها وشرها بيده، ومرجعها إليه اهـ.

ونقل ابن الجوزي وابن الأثير وابن القيم وابن حجر الهيتمي عن الحسن البصري أنه كان إذا ذكر أهل المعاصي يقول: هانوا عليه فعصوه، ولو عزوا عليه لعصمهم.

وروى الفسوي في (المعرفة والتاريخ) والبيهقي في (القضاء والقدر) عن مطرف بن عبد الله بن الشخير قال: إني إنما وجدت ابن آدم كالشيء الملقى بين الله وبين الشيطان، فأن أراد الله أن ينعشه اجتبذه احتزه إليه، وأن أراد به غير ذلك خلى بينه وبين عدوه اهـ.

ومن هذا يتبين لك أن معنى هذه العبارة صحيح، وأنه لا حرج في قولها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني