الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل ينتفي الإيمان بالشماتة في المسلم والفرح ببلائه

السؤال

لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
أشعر بالإحباط واليأس عندما أسمع هذا الحديث النبوي الشريف، لأنني أحس أنني لن أكون مؤمنة، ولن يكون الله سبحانه وتعالي راضيا عني، مع أنني ملتزمة دينيا والحمد لله، ولأني أشعر بالإحباط ،وبأن كل عبادتي وتقربي إلى الله سيذهب هباءا، نعم هباءا، وأريد أن أقص عليكم قصتي عساكم أن تساعدوني فيها:
لي أختي أصغر مني متزوجة، وقد أنجبت طفلين، وبعد مرور الزمن اكتشف الأهل والأقارب أن زوجها يشرب المخدرات فتفاجآنا، بل صعقنا، فأردنا تطليق أختي من زوجها لكن أختي رفضت، ودخلنا في مشاكل مع زوجها وأهله، وسمع بها جميع الأهل والأصدقاء، بل الحي والمدينة التي أسكن بها، والمفاجأة كانت من الناس لأنهم نسجوا القصص والروايات عن أختي قصصا بالعرض والشرف، لقد أشاعوا الأقاويل بشرفها وعرضها فكانت الصدمة لنا كبيرة، لم نكن نتصور يوما أن الأهل والأصدقاء يشيعون عن أختي قصصا تقشعر لها الأبدان، ومع ذلك فقد أصبح بيتنا جحيما، ومرض أبي وأمي وأصبنا بإحباط ويأس، ولكن الحمد لله أن الله أعطانا الصبر والقوة لمتابعة حياتنا ولم نراجع أحدا، ولم نغلق البيت في وجه أي أحد، مع أننا نعرف كل شخص تكلم عن أختي.
المشكلة أن الحقد دخل قلبي وتمنيت لكل إنسان ذكر أختي بالسوء أن يصاب به، وبعد فترة وبعد أن هدأ الوضع ورجعت حياتنا إلى وضعها الطبيعي تندمت أني دعوت على الناس، وأصبحت في كل صلاة وأنا ساجدة أطلب المغفرة لجميع المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات وخاصة لمن أساء لأختي ،وأن يشرح لي صدري، ولكن للأسف أشعر أن هذا الدعاء لن يخرج من قلبي، وأحاول جاهدة لكن دون جدوى، وفي هذه الأيام سمعت أخبارا عن بعض الأقارب أخبارا سيئة، ودخل الهم بيوتهم وهؤلاء الأقارب أول أناس ذكروا أختي بالسوء بعرضها وشرفها، فعندما سمعت بما حصل لبناتهم شعرت بالسعادة، وفي نفس الوقت أحس بوجعهم.
فهل الله غير راض عني، وأنني لست مؤمنة وأن صلاتي وصيامي ذهبت سدى؟
وماذا أعمل لأخرج الحقد من قلبي وأنسى آلامي بسبب من أساؤا لي، مع أنني أدعو في صلاتي أن يشرح الله لي صدري؟
أرجو أن تساعدوني فأنا في صراع مع نفسي وأحس باكتئاب ويأس شديد، وأخاف أن أجن وأبتعد عن ديني لأنني خائفة من أن الله غير راض عني؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن الشماتة بالمسلمين والفرح بما ينزل بهم من بلاء أو مصيبة لا يجوز – حتى وإن أساءوا - فإنه مناف للأخلاق الكريمة، والشيم المرضية التي أمر الله عباده بها, ولا يتصف بذلك من كمل إيمانه وقوي يقينه بربه.

ولكن هذا الفعل – مع قبحه – لا يخرج صاحبه عن دائرة الإيمان، لأنه من نواقص الإيمان وليس من نواقضه, وقوله – صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه. ليس المراد به نفي الإيمان عمن لم يحصل هذه المرتبة, بل المراد به نفي كمال الإيمان وتمامه.

جاء في شرح النووي على صحيح مسلم: قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: وهذا قد يعد من الصعب الممتنع وليس كذلك، إذ معناه لا يكمل إيمان أحدكم حتى يحب لأخيه في الاسلام مثل ما يحب لنفسه، والقيام بذلك يحصل بأن يحب له حصول مثل ذلك من جهة لا يزاحمه فيها بحيث لا تنقص النعمة على أخيه شيئا من النعمة عليه وذلك سهل على القلب السليم، وانما يعسر على القلب الدغل عافانا الله وإخواننا أجمعين والله أعلم. انتهى.

فجاهدي أيتها السائلة نفسك في هذا، وعوديها خلق العفو والصفح عمن أساء وأخطأ, وكفيها عن الشماتة بالمسلمين, وتذكري ما حدث من أهل النفاق، بل ووقع فيه بعض بعض الصحابة من الخوض في عرض أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- وعندما همّ أبو بكر أن يمنع الخير عن بعضهم عاتبه الله سبحانه بقوله: وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. {النور: 22}

ومن الأدوية المفيدة في علاج مثل هذه الأمراض – بعد التضرع إلى الله والإلحاح عليه أن يكشف السوء - أن تواظبي على صوم ثلاثة أيام من كل شهر فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بما يذهب وحر الصدر ؟ صوم ثلاثة أيام من كل شهر. رواه النسائي وصححه الألباني.

جاء في فيض القدير. وثلاثة أيام من كل شهر يذهبن وحر الصدر، محركا: حقده أو غيظه أو نفاقه بحيث لا يبقى فيه رين، أو العداوة أو أشد الغضب. انتهى.

والله أعلم.


مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني