الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بنى في ملك أبيه وبعد موت الأب لم يقر أكثر إخوته بحقه فيما بناه

السؤال

أنا شاب في الأربعين من عمري، لي ثلاثة إخوة أكبر مني في السن، وست أخوات تصغرنني سنا منهن اثنتان متزوجتان، ولي خمسة أطفال.
في عام 1992 طلب أحد إخوتي من والدي بناء طابق ثالث فوق منزلنا المكون من طابقين حين ذاك، لكن والدي اقترح عليه بناء طابقين بدلا من طابق واحد بالتعاون مع أحد إخوته الذكور وبمساهمة بمبلغ 3500 دينار من والدي، بحيث يكون لكل من الأخوين طابق على أن لا يشاركا بقية الإخوة والأخوات في الطابقين الأول والثاني عند الميراث، وتم هذا الأمر بشهادة أحد أخوالي وإحدى خالاتي. فعرض أخي علي الأمر، وطلبت منه أن يعرض الأمر على أخويه الآخرين وإن لم يبديا رغبتهما بذلك فأنا على استعداد للقيام بذلك، فاعتذر أخواي عن المساهمة وقمت باقتراض مبلغ 3500 دينار أردني وسلمتهم لأخي، وبدأنا بالبناء، وشطب بيته كاملا وسكن فيه، وبقي بيتي دون تشطيب إلى أن تم الإتفاق مع مستأجرين أن يدفعا أجرة سنة مقدما ويتم تشطيب بيتي المكون من شقتين صغيرتين ومن ثم يسكنا في الشقتين، وتم ذلك بقبض 2500 دينار من كلا المستأجرين، وتم تشطيب الشقتين وتأجيرهما قبل نهاية عام 1992 بكلفة إجمالية لم تتجاوز 6000 دينار، علما أنني قمت بدفع 600 دينار إضافية لاحقا، وقام أخي بتسجيل بيته باسمه ولم أطلب ذلك من والدي خجلا منه. في عام 1994 خطب لي والدي ابنة صديق له، وأخبره أن أجرة الشقتين هما دخل إضافي لي فوق راتبي الشهري كوني أعمل موظفا، وكان هذا ماحفز والد زوجتي لإتمام الزواج.وتزوجت بعد ذلك، وبعد زواجي بشهرين أخبرتني والدتي بأن وضع والدي المادي غير مرضي، وطلبت مني أن أعطيهم أجرة إحدى الشقتين، وحصل ذلك فعلا، وعن طيب خاطر مني.وبقيت أقبض أجرة شقة واحدة حتى عام 2000 حيث طلبت مني والدتي بصيغة الأمر أن تأخذ أجرة الشقة الثانية بحجة أنه تم سداد كامل قيمة القرض الذي اقترضته من البنك ولم يعد يخصم من راتبي أقساط للبنك، وتلافيا للوقوع بإشكالات مع والدتي طلبت منها إمهالي لحين تدبير أموري، وفي شهر 7/2000توقفت عن قبض أجرة الشقة الثانية مرغما وساءت بعدها أحوالي المادية، ولهذا السبب اتصلت بوالدتي هاتفيا كوني أعيش في مدينة أخرى وطلبت منها أن تعيد لي أجرة شقة، وتطلب من بقية إخوتي تعويضها الفرق إلا أنها رفضت، واستمر هذا الوضع واستمر وضعي المالي بالتدهور بسبب الاقتراض إلى أن توفي والدي عام 2003 إلا أنني بعد وفاة والدي آثرت أن أصبر خشية مني على مشاعر والدتي، وبقيت صامتا حتى وصلت إلى وضع مالي متأزم جدا بسبب تراكم الديون وعدم قدرتي على السداد، فطلبت منها في نهاية عام 2008 أن تعيد لي أجرة إحدى الشقتين على أن أطلب من إخوتي وأخواتي تعويضها المبلغ حسب الحصة الشرعية لكل منهم على الرغم أنها تستحوذ على أجرة طابقين، وتسكن هي وخادمتها طابقا، بالإضافة إلى راتب والدي التقاعدي، إلا أنني صدمت عندما رفض جميعهم باستثناء اثنين من إخوتي الذكور المساهمة، وعلاوة على ذلك أنكروا علي استحقاقي لأي حق ولم ينكروا ذلك على أخي الذي اشتركت معه في البناء، والذي احتفظ بحق التصرف في أجرة بيته المؤجر منذ عام 1996. راجيا التكرم بإعطائي الرأي الشرعي وماذا علي أن أفعل؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلعل رفض والدتك دفع إيجار الشقتين لك وإنكار إخوانك استحقاقك لهما قائم على أنهما ملك لأبيك وليستا ملكا لك، نظرا لعدم تسجيلهما باسمك، أو على أن ما قمت به من البناء كان هبة منك ومساعدة لأبيك، ولو كان والدك حيا لا يحق له الرجوع في ما وهب لك بعد البناء والتصرف فيه، وما ترتب على ذلك من الحقوق وحمل الدين وأحرى غيره، فقد جاء في كتاب المبسوط وهو حنفي المذهب:

وإن كانت الهبة دارا أو أرضا فبنى في طائفة منها أو غرس شجرا فلا رجوع له في شيء من ذلك.

ولذلك، فإن عليك أن تثبت ملكيتك للشقتين وتستعين بمن أقر لك من إخوانك وأخواتك وجيرانك، وأن ترك إيجارهما لأمك لا يعني هبتهما لها وإنما هو لحاجتها إليه وعدم حاجتك له في ذلك الوقت، وأن ترك تسجيلهما باسمك إنما كان احتراما لأبيك وحياء منه ولم يكن ذلك بقصد الهبة ولا المساعدة له.

هذا وننبه إلى أنه لا يجوز للأبوين تفضيل بعض أبنائهما على بعض في العطية دون مبرر شرعي-على الراجح من أقوال أهل العلم- كما سبق بيانه في الفتوى: 6242 .

وعلى كل حال، فالواجب عليك أن تبر أمك ولو حصل منها جور أو تقصير، ولا يجوز للأم والإخوة أن يمنعوا أخاهم حقه لمجرد عدم تسجيله باسمه.

كما ننبه إلى أن مثل هذه القضايا التي فيها دعاوى وحقوق مشتركة، مثل التركات، والحكم على الغائب، والميت ونحو ذلك. يجب أن يكون مرجعها إلى المحاكم الشرعية فهي التي بإمكانها التأكد منها، والاطلاع على حقائقها، والنظر في جميع جوانبها أما الفتوى- وإن كانت قد تجيب على السؤال بناء على معطياته- فلا يصح الاعتماد عليها والقطع بها.

والذي ننصح به في مثل هذه الحالة بعد تقوى الله تعالى هو المصالحة والسعي في إصلاح ذات البين خاصة إذا كان الأمر بين الولد ووالدته والأخ وإخوته.

والله أعلم .

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني