الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

فسخ عقد الإجارة.. رؤية شرعية

السؤال

استأجرت أرضا من البلدية بعقد مدته عشرون سنة، علي أن أنشىء عليها سوقا، وأنتفع به مدة العقد، وحالت ظروف قاهرة دون تشغيله حتى انقضاء ثمان سنوات من مدته، وهذه الظروف تتعلق بنظام السعودة الذي حد من حريتي في الانتفاع بمقتضى العقد، وكذلك وقوع الأرض في منخفض من الأرض كان مرتعا لتجمع مياه الأمطار مما يعيق الوصول إليه في موسم الأمطار، وعدم تجاوب البلدية مع الحلول التي اقترحتها لمعالجة الحالة. أرشدوني للدفع عن حقي. جزاكم الله خيرا وفقا للأصول الشرعية؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد اشتمل سؤالك على مسألتين :

الأولى: الظروف القاهرة التي منعت من الانتفاع بالعين المستأجرة، وهذه الظروف القاهرة التي تمنع المستأجر من الانتفاع بالعين المستأجرة يثبت بها حق الفسخ للمستأجر.

جاء في قرار رقم (7) بالدورة الخامسة للمجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي ما ملخصه: فقد عُرِض على مجلس المجمع الفقهي الإسلامي مشكلة ما قد يطرأ بعد إبرام عقود التعهد ونحوها من العقود، ذات التنفيذ المتراخي، في مختلف الموضوعات، من تبدل مفاجئ، في الظروف والأحوال ذات التأثير الكبير، ... ما يسمى اليوم في العرف التعاملي بالظروف الطارئة. ... وقد نظر مجلس المجمع في النظائر الفقهية ذات الصلة بهذا الموضوع، من فقه المذاهب، واستعرض قواعد الشريعة ذات العلاقة، مما يستأنس به، ويمكن أن يوصى بالحكم القياسي، والاجتهاد الواجب فقهًا، في هذا الشأن، كما رجع إلى آراء فقهاء المذاهب فوجد ما يلي :

أن الإجارة يجوز للمستأجر فسخها بالطوارئ العامة، التي يتعذر فيها استيفاء المنفعة، كالحرب والطوفان ونحو ذلك، بل الحنفية- رحمهم الله- يسوغون فسخ الإجارة أيضًا بالأعذار الخاصة بالمستأجر، مما يدل على أن جواز فسخها بالطوارئ العامة مقبول لديهم أيضًا بطريق الأولوية، فيمكن القول: إنه محل اتفاق، وذكر ابن رشد في بداية المجتهد ( أنه: (عند مالك أن أرض المطر -أي البعلية التي تشرب من ماء السماء فقط- إذا أكريت فمنع القحط من زراعتها، أو إذا زرعها المكتري فلم ينبت الزرع لمكان القحط -أي بسببه- أن الكراء ينفسخ، وكذلك إذا استعذرت بالمطر، حتى انقضى زمن الزراعة، فلم يتمكن المكتري من زرعها) انتهى.

وذكر ابن قدامة المقدسي في كتاب الإجارة من المغني أنه : إذا حدث خوف عام، يمنع من سكنى ذلك المكان، الذي فيه العين المستأجرة، أو تحصَّر البلد، فامتنع الخروج إلى الأرض المستأجرة للزرع، أو نحو ذلك: فهذا يثبت للمستأجر خيار الفسخ، لأنه أمر غالب يمنع المستأجر من استيفاء المنفعة، فأما إذا كان الخوف خاصًّا بالمستأجر، مثل أن يخاف وحده، لقرب أعدائه لم يملك الفسخ، لأنه عذر يختص به، لا يمنع استيفاء المنفعة بالكلية، فأشبه مرضه.

ولا يخفى أن طريق التدخل في مثل تلك الأحوال المعروضة آنفًا في العقود المتراخية التنفيذ، لأجل إيجاد الحل العادل الذي يزيل الجور إنما هو من اختصاص القضاء، ففي ضوء هذه القواعد والنصوص المعروضة، التي تنير طريق الحل الفقهي السديد، في هذه القضية المستجدة الأهمية، يقرر الفقه الإسلامي ما يلي :

في العقود المتراخية التنفيذ (كعقود التوريد والتعهدات والمقاولات) إذا تبدلت الظروف التي تم فيها التعاقد تبدلاً غَيَّرَ الأوضاع والتكاليف والأسعار، تغييرًا كبيرًا، بأسباب طارئة عامة، لم تكن متوقعة حين التعاقد، فأصبح بها تنفيذ الالتزام العقدي يلحق بالملتزم خسائر جسيمة غير معتادة، من تقلبات الأسعار في طرق التجارة، ولم يكن ذلك نتيجة تقصير أو إهمال من الملتزم في تنفيذ التزاماته، فإنه يحق للقاضي في هذه الحالة عند التنازع، وبناءً على الطلب، تعديل الحقوق والالتزامات العقدية، بصورة توزع القدر المتجاوز للمتعاقد من الخسارة على الطرفين المتعاقدين، كما يجوز له أن يفسخ العقد، فيما لم يتم تنفيذه منه، إذا رأى أن فسخه أصلح وأسهل في القضية المعروضة عليه، وذلك مع تعويض عادل للملتزم له ، صاحب الحق في التنفيذ، يجبر له جانبًا معقولاً من الخسارة، التي تلحقه من فسخ العقد، بحيث يتحقق عدل بينهما، دون إرهاق للملتزم، ويعتمد القاضي في هذه الموازنات جميعًا رأي أهل الخبرة الثقات. اهـ .

الثانية : وجود عيب بالعين المستأجرة، ووجود العيب أو حدوثه بالعين المستأجرة يثبت للمستأجر الحق في الفسخ.

قال ابن قدامة في المغني: وإذا اكترى عينا ، فوجد بها عيبا لم يكن علم به ، فله فسخ العقد ، بغير خلاف نعلمه . قال ابن المنذر : إذا اكترى دابة بعينها، فوجدها جموحا ، أو عضوضا ، أو نفورا ، أو بها عيب غير ذلك مما يفسد ركوبها ، فللمكتري الخيار ، إن شاء ردها وفسخ الإجارة ، وإن شاء أخذها . وهذا قول أبي ثور ، وأصحاب الرأي ، ولأنه عيب في المعقود عليه ، فأثبت الخيار ، كالعيب في بيوع الأعيان . والعيب الذي يرد به ما تنقص به قيمة المنفعة كتعثر الظهر في المشي ، ... ، وفي الدار انهدام الحائط ، والخوف من سقوطها ، وانقطاع الماء من بئرها ، أو تغيره بحيث يمتنع الشرب والوضوء ، وأشباه ذلك من النقائص ، ومتى حدث شيء من هذه العيوب بعد العقد ، ثبت للمكتري خيار الفسخ؛ لأن المنافع لا يحصل قبضها إلا شيئا فشيئا ، فإذا حدث العيب ، فقد وجد قبل قبض الباقي من المعقود عليه ، فأثبت الفسخ فيما بقي منها ، ومتى فسخ ، فالحكم فيه كما لو انفسخ العقد بتلف العين . وإن رضي المقام ولم يفسخ ، لزمه جميع العوض، لأنه رضي به ناقصا ، فأشبه ما لو رضي بالمبيع معيبا . وإن اختلفا في الموجود ، هل هو عيب أو لا؟ رجع فيه إلى أهل الخبرة ، فإن قالوا : ليس بعيب .. فليس له فسخ . وإن قالوا : هو عيب . فله الفسخ . اهـ .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني