الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

علة كراهة الأسماء التي فيها تزكية أو قبح

السؤال

لقد قرأت من فتواكم ما أدهشتني فقد كرهتم اسم إيمان و إسلام وغيرها لما فيها من تزكية. فما رأيكم باسم صالح وعلي و مريم بمعنى عابدة فهي أسماء بها تزكية، وكرهتم اسم رحمة حتى لا تتشاءم النفس لو سأل أحدهم عن رحمة فقال لا. فما رأيكم باسم سعد المستجاب الدعوة ومنذ متى المسلمون يتشاءمون، وعليه فلا نسمي أبناءنا بما فيه تزكية، ولا اسم يحمل معنى تتشاءم النفس إذا قيل عنه غير موجود. فماذا تبقى لنا غير أسماء الحيوانات. أرجو الرد فما حملني على كتابة هذا غير غيرتي على ديني؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقول السائلة الكريمة: فماذا تبقى لنا غير أسماء الحيوانات ! فيه مجازفة واضحة، عارية عن التحقيق، ولا تحتاج إلى تعليق،! وكان الأولى بها أن تقتصر على السؤال أو تقديم النصح إن كانت ترى أمرا منكرا، وليست الغيرة على الدين بعذر يصح أن يعلق عليه مثل هذا التجاوز.

ثم إن هاتين المسألتين في الأسماء: كراهة ما فيه تزكية للنفس، وكراهة ما يستبشع جوابه ويخشى وقوع التطير بسببه. قد وردت به السنة، ونص عليه عامة أهل العلم.

وإلا فبماذا يمكن أن تفسر السائلة الكريمة ما رواه أبو هريرة أن زينب كان اسمها برة، فقيل: تزكي نفسها. فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب. متفق عليه.

وما رواه ابن عباس قال: كانت جويرية اسمها برة، فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمها جويرية، وكان يكره أن يقال خرج من عند برة. رواه مسلم.

وما رواه محمد بن عمرو بن عطاء قال: سميت ابنتي برة، فقالت لي زينب بنت أبي سلمة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا الاسم، وسميت برة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تزكوا أنفسكم، الله أعلم بأهل البر منكم. رواه مسلم.

وما رواه سمرة بن جندب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسمين غلامك يسارا ولا رباحا ولا نجيحا ولا أفلح؛ فإنك تقول: أثم هو؟ فلا يكون فيقول: لا. إنما هن أربع فلا تزيدن علي. رواه مسلم.

قال الطحاوي في بيان مشكل الآثار: في ذلك ما قد دل على أن النهي عن هذه الأسماء إنما كان خوف الطيرة بها. اهـ.

وقال النووي: لَيْسَ فِيهِ مَنْع الْقِيَاس عَلَى الْأَرْبَع , وَأَنْ يَلْحَق بِهَا مَا فِي مَعْنَاهَا . قَالَ أَصْحَابنَا : يُكْرَه التَّسْمِيَة بِهَذِهِ الْأَسْمَاء الْمَذْكُورَة فِي الْحَدِيث وَمَا فِي مَعْنَاهَا , وَلَا تَخْتَصّ الْكَرَاهَة بِهَا وَحْدهَا, وَهِيَ كَرَاهَة تَنْزِيه لَا تَحْرِيم, وَالْعِلَّة فِي الْكَرَاهَة مَا بَيَّنَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله: فَإِنَّك تَقُول: أَثِمَ هُوَ ؟ فَيَقُول: لَا. فَكُرِهَ لِبَشَاعَةِ الْجَوَاب, وَرُبَّمَا أَوْقَع بَعْض النَّاس فِي شَيْء مِنْ الطِّيَرَة. اهـ.

وقال أيضا: قد ثبتت أحاديث بتغييره صلى الله عليه وسلم أسماء جماعة كثيرين من الصحابة، وقد بين صلى الله عليه وسلم العلة في النوعين وما في معناهما وهي التزكية أو خوف التطير. اهـ.

وقال ابن القيم في زاد المعاد: اقتضت حكمة الشارع الرءوف بأمته الرحيم بهم أن يمنعهم من أسباب توجب لهم سماع المكروه أو وقوعه، وأن يعدل عنها إلى أسماء تحصل المقصود من غير مفسدة، هذا أولى مع ما ينضاف إلى ذلك من تعليق ضد الاسم عليه بأن يسمى يسارا من هو من أعسر الناس. وأمر آخر: وهو ظن المسمى واعتقاده في نفسه أنه كذلك فيقع في تزكية نفسه وتعظيمها وترفعها على غيره، وهذا هو المعنى الذي نهى النبي صلى الله عليه وسلم لأجله أن تسمى برة، وقال: لا تزكوا أنفسكم، الله أعلم بأهل البر منكم. وعلى هذا، فتكره التسمية بـ التقي، والمتقي والمطيع والطائع والراضي، والمحسن، والمخلص، والمنيب، والرشيد والسديد. اهـ.

وقال في تحفة المودود: وفي معنى هذا مبارك ومفلح وخير وسرور ونعمة وما أشبه ذلك، فإن المعنى الذي كره له النبي صلى الله عليه وسلم التسمية بتلك الأربع موجود فيها، فإنه يقال أعندك خير؟ أعندك سرور؟ أعندك نعمة؟ فيقول: لا. فتشمئز القلوب من ذلك وتتطير به وتدخل في باب المنطق المكروه. اهـ.

وقال أيضا: فيه معنى آخر يقتضي النهي وهو تزكية النفس بأنه مبارك ومفلح، وقد لا يكون كذلك. اهـ.

ونقل ابن حجر في الفتح: عن الطبري أنه قال: لا تنبغي التسمية باسم قبيح المعنى، ولا باسم يقتضي التزكية له، ولا باسم معناه السب، ولو كانت الأسماء إنما هي أعلام للأشخاص لا يقصد بها حقيقة الصفة، لكن وجه الكراهة أن يسمع سامع بالاسم فيظن أنه صفة للمسمى، فلذلك كان صلى الله عليه وسلم يحول الاسم إلى ما إذا دعي به صاحبه كان صدقا، وقد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة أسماء وليس ما غير من ذلك على وجه المنع من التسمي بها بل على وجه الاختيار، ومن ثم أجاز المسلمون أن يسمي الرجل القبيح بحسن والفاسد بصالح، ويدل عليه أنه صلى الله عليه وسلم لم يلزم حزنا لما امتنع من تحويل اسمه إلى سهل بذلك، ولو كان ذلك لازما لما أقره على قوله: لا أغير اسما سمانيه أبي. اهـ.

وقال الباجي في المنتقى: المنع يتعلق بالأسماء على ثلاثة أوجه:

أحدها: ما تقدم من قبيح الأسماء كحرب وحزن ومرة.

والثاني: ما فيه تزكية من باب الدين. قال مالك: ولا ينبغي أن يتسمى الرجل بياسين ولا بمهدي ولا بجبريل، قيل له: فالهادي؟ قال: هذا أقرب؛ لأن الهادي هادي الطريق. وروي عن ابن عباس قال: كانت جويرية اسمها برة فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمها جويرية، وكان يكره أن يقال: خرج من عند برة. فتعلق المنع لوجهين: أحدهما: لما فيه من تزكيتها نفسها بما تسمت به. والوجه الثاني: لهجنة اللفظ في قولهم عنه: خرج من عند برة. وقد روي عن سمرة بن جندب: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسمي رقيقنا بأربعة أسماء: أفلح ورباح ويسار ونافع . وقال: فإنك تقول: أثم هو؟ فلا يكون ثم فيقول: لا. فأشار إلى معنى التفاؤل بأن يقول: ليس هنا يسار، أو ليس هنا أفلح، أو ليس هنا رباح.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني