الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إيضاح حول استواء الرحمن على العرش

السؤال

أنتم تناقضون كلامكم، والإمام الأشعري بريء منكم، لأنكم تشبهون الله بخلقه وتقولون هذا ما كان عليه. كيف تفسرون القرآن على ظاهره، والقرآن لا يفسر على الظاهر، هناك آيات محكمات وآيات متشابهات. العلماء فسروها ليس أنتم، أنتم تأخذونها على ظاهرها، وتناقضون القرآن، والقرآن لا يتناقض، لله صفات تليق به، وصفة العلو لا تليق بالله لأنها من صفات البشر، كيف تقولون إنكم لا تشبهون الله بشيء وتقولون إنه في السماء، أو جالس على العرش. أليس هذا من صفات البشر؟ ألا تعرفون ماذا قال الإمام أبو حنيفة في كتابه الفقه الأكبر: قبل خلق المكان لم يكن يوجد لا فوق ولا تحت، ولا سماء ولا عرش، كان موجودا بلا مكان كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على ماء، وكتب في الذكر كل شيء، ثم خلق السماوات والأرض. رواه مسلم. هذا الحديث ينافي ما تقولونه وتنسبونه إلى العلماء، العلماء كانوا على عقيدة محمد صلى الله عليه وسلم، وهي أن الله موجود بلا مكان. هناك تفسير يليق بالله وفسر العلماء بما يليق بالله، وآيات المتشابهات لها تفسير يليق بالله: السماء هي مهبط الرحمات وقبلة الدعاء، هكذا فسرها مرتضى الزبيدي في شرح الإحياء، وليست مسكنا لله. والعرش هو جرم كبير له حجم والله ليس له حجم كي يكون جالسا عليه، هذا ينافي التوحيد. استوى لها كثير من المعاني كما فسر العلماء تأتي بمعنى قهر، تأتي بمعنى حفظه، وليس على ظاهرها، لو تركوها على ظاهرها لصار تناقض في القرآن، لأن أصرح آية في القرآن أنه ليس كمثله شيء. أسال الله أن يرزقني الفهم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

ففي كتاب الفقه الأكبر الذي ذكره السائل ما يكفي للرد على إشكالاته، ففيه: فصل في إثبات العلو.

قال فيه الإمام أبو حنيفة: من قال: لا أعرف ربي في السماء أو في الأرض، فقد كفر. وكذا من قال: إنه على العرش، ولا أدري العرش أفي السماء أو في الأرض. والله تعالى يدعى من أعلى لا من أسفل، ليس من وصف الربوبية والألوهية في شيء، وعليه ما روي في الحديث أن رجلا أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأمة سوداء فقال: وجب علي عتق رقبة أفتجزئ هذه؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أمؤمنة أنت؟ فقالت: نعم. فقال: أين الله؟ فأشارت إلى السماء، فقال: أعتقها فإنها مؤمنة. اهـ.

وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 118504.

وفي كلام الإمام أبي الحسن الأشعري أيضا ما يكفي السائل الكريم لو كان مريدا للحق دون تعصب، فقد عقد ـ رحمه الله ـ في كتاب الإبانة عن أصول الديانة بابا بعنوان: ذكر الاستواء على العرش، قال فيه: إن قال قائل: ما تقولون في الاستواء ؟ قيل له: نقول: إن الله عز وجل يستوي على عرشه استواء يليق به من غير طول استقرار. كما قال: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى.{طـه:5}.

وقد قال تعالى: مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ. {فاطر:10}. وقال تعالى: بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا. {النساء:158}. وقال تعالى: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ. {السجدة:5}. وقال تعالى حاكيا عن فرعون لعنه الله: وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ*أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا. {غافر:،37،36 }. كذب موسى عليه السلام في قوله: إن الله سبحانه فوق السماوات. وقال تعالى: أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض. فالسماوات فوقها العرش فلما كان العرش فوق السماوات قال: أأمنتم من في السماء. لأنه مستو على العرش الذي فوق السماوات وكل ما علا فهو سماء، والعرش أعلى السماوات، وليس إذا قال: أأمنتم من في السماء. يعني جميع السماوات وإنما أراد العرش الذي هو أعلى السماوات، ألا ترى الله تعالى ذكر السماوات فقال تعالى: وجعل القمر فيهن نورا. ولم يرد أن القمر يملؤهن جميعا وأنه فيهن جميعا. ورأينا المسلمين جميعا يرفعون أيديهم إذا دعوا نحو السماء لأن الله تعالى مستو على العرش الذي هو فوق السماوات، فلولا أن الله عز و جل على العرش لم يرفعوا أيديهم نحو العرش كما لا يحطونها إذا دعوا إلى الأرض. انتهـى.

ثم عقد فصلا مفصلا للرد على المعتزلة والجهمية والحرورية القائلين إن معنى قول الله تعالى: الرحمن على العرش استوى. أنه استولى وملك وقهر، وأن الله تعالى في كل مكان، وجحدوا أن يكون الله عز وجل مستو على عرشه كما قال أهل الحق، وذهبوا في الاستواء إلى القدرة، فنرجو من السائل الكريم أن يراجع هذا الفصل بطوله لعظم فائدته ووضوحه.

ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على رسالة أبي إسحاق الماراني في الذب عن أبي الحسن الأشعري وكتابه: الإبانة عن أصول الديانة. وهي متوفرة على موقع المكتبة الشاملة.

وقد سبق لنا إيراد نقول عن علماء السنة في مسألة الاستواء في الفتوى رقم: 66332. كما سبق لنا بيان أن الله فوق عرشه بائن عن خلقه، والرد على من قال: إن الله في كل مكان، في الفتويين: 6707 ، 8825 . وكذلك بيان أن التجسيم والتشبيه كفر بالله، وتبرئة علماء أهل السنة من ذلك، في الفتوى: 19144.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني