الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا يقال عن المرأة عاهرة مهما بالغت في التبرج لأنه من ألفاظ القذف

السؤال

من ألقى جلباب الحياء لا غيبة له. من القائل؟هل تجوز غيبة المرأة التي تلبس ملابس غير محتشمة، وغير معتادة حتى عند من لا يرتدين الحجاب الشرعي مثل التنورات القصيرة، و الملابس الشفافة، والشعر المنفوش المصبوغ بطريقة فاقعة وغيره؟ هل يجوز ذكرها في غيبتها بما تلبس والتعجب منه و إنكاره للأم والأخوات وغيرهن من القريبات؟ بعض الناس في بلادنا ينعت مثل هذه المرأة بالعاهرة، وعندما أقول بأن هذا قذف وحرام يقولون لي لا، إنها كذلك لأنها تتشبه بالعاهرة. أقول بأنها فاسقة وليست عاهرة. فمن منا على حق؟ أفيدونا بالصحيح بحسب الشرع؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد روى البيهقي في شعب الإيمان عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من ألقى جلبابا فلا غيبة له.

وقال: هذا إن صح في الفاسق المعلن بفسقه، وفي إسناده ضعف. اهـ.

ورواه ابن الجوزي في العلل المتناهية في الأحاديث الواهية، وقال: هذا الحديث من جنس ما سبق ـ يعني حديث لا غيبة لفاسق، وفيه متروكان الربيع، وأبان. اهـ.

وضعفه الألباني جدا في السلسلة الضعيفة.

وقال الفيروزآبادي في رسالة في بيان ما لم يثبت فيه حديث من الأبواب: باب: ليس للفاسق غيبة، وما في معناه لم يثبت. اهـ.

وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن حديث: لا غيبة لفاسق. فقال: أما الحديث فليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه مأثور عن الحسن البصري أنه قال: أترغبون عن ذكر الفاجر؟! اذكروه بما فيه يحذره الناس. وفي حديث آخر: من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له. وهذان النوعان يجوز فيهما الغيبة بلا نزاع بين العلماء، أحدهما أن يكون الرجل مظهرا للفجور، مثل الظلم والفواحش والبدع والمخالفة للسنة.اهـ.

وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 39027. كما سبق بيان أن من مواضع جواز الغيبة ذكر المجاهر بفسقه في ما جاهر به، فراجع الفتويين: 6082 ، 6710. وكذلك سبق في الفتوى رقم: 17373 بيان أن ذكر الفاسق بما فيه للتحذير منه جائز.

فالحاصل أن ذكر هذه المرأة بما جاهرت به من فسق ـ وهو تبرجها ـ جائز. وهذا هو ما يعرف بمسألة التشهير، فمن كان مجاهرا بالمعصية فإنه يجوز التشهير به وفضح أمره وذكره بما جاهر به دون ما لم يجاهر به، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 21816.

فعدم الستر على المجاهر بمعصيته أو منكره تحذيرا منه أو تعزيرا له، لا حرج فيه.

جاء في الموسوعة الجنائية الإسلامية: المجاهر بالمعصية يجوز التشهير به؛ لأن المجاهر بالفسق لا يستنكف أن يذكر به، ولا يعتبر هذا غيبة في حقه؛ لأن من ألقى جلباب الحياء لا غيبة له. اهـ.

وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 123513.

ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتويين: 117405 ، 34205.

أما وصف هذه المرأة بالعاهرة فلا يجوز، وقد اختلف أهل العلم هل يعد السب بهذه الكلمة قذفا أم لا؟ وبالتالي هل يوجب الحد أم التعزير؟

وقد سئل الرملي الشافعي عن رجل قال لامرأة: يا عاهرة. هل يكون صريحا في القذف أو كناية ؟ فأجاب: بأن فيه وجهين بلا ترجيح، وأصحهما أنه صريح فيه لأن المفهوم في اللغة هو الزنا، يقال: عهر فهو عاهر، وفي الصحيحين: الولد للفراش وللعاهر الحجر. فإن قال الرجل: لم أعلم كونه قذفا ولم أنوه به، قبل قوله؛ لخفائه على كثير من الناس. اهـ.

وقال الماوردي في الحاوي الكبير، وفي الأحكام السلطانية: إذا قال: يا عاهر، فقد ذكرنا فيه وجهين: أحدهما: يكون قذفاً صريحاً لقوله: وللعاهر الحجر. والوجه الثاني: يكون كناية، إن أراد به القذف حُدَّ، وإن لم يرده عزر .اهـ.

وفي الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة: ألفاظ القذف تنقسم إلى صريح وكناية، فالصريح قوله: يا زاني، يا عاهر .. مما لا يحتمل غير القذف، فلا يقبل قوله بما يحيله؛ لأنه صريح فيه فأشبه التصريح بالطلاق. اهـ.

وكذا في الإنصاف للمرداوي وقال: هذا المذهب، وعليه الأصحاب. ولا يقبل قوله: أردت يا عاهر اليد. وقال في التبصرة: لم يقبل مع سبقه ما يدل على قذف صريح، وإلا قبل. اهـ.

وقال الرحيباني في مطالب أولي النهى، والبعلي في كشف المخدرات: أصل العهر إتيان الرجل المرأة ليلا للفجور بها، ثم غلب على الزنا، سواء جاءها أو جاءته، ليلا أو نهارا ... ( فإن قال أردت عاهر اليد لم يقبل منه ) ذلك، لأنه خلاف الظاهر ولا دليل عليه (وحُد) لإتيانه بصريح القذف. اهـ.

وعلى أية حال فمثل هذا السب لا يجوز، ولو لم يكن قذفا موجبا للحد، وقد سبق أن بينا أن ألفاظ القذف تابعة للاستعمالات العرفية والقرائن الحالية، في الفتوى رقم: 49170.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني