الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا ضمان على مؤتمن إذا لم يتعد ويفرط

السؤال

شراكة بين شخصين الأول بالمال والثاني بالمجهود لمدة 8 سنوات، وعند إنتهاء الشراكة تمت عملية الحسابات من طرف الشريك الثاني الذي أظهر حسابا مغايرا للحساب الحقيقي ليس بنية السرقة لكن حتى ميسرة. ما هو حكم هذا الإخفاء؟ وهل يقبل هذا المال الذي في ذمته الزيادة بحكم تعطيل مصلحة الشريك المغبون أو يرد المال لصاحبه دون زيادة؟ ثم عدم قدرة جمع جميع ديون الزبائن لصالح المحل هل يتحمله الشريكان معا أو الشريك الثاني بحكم أنه هو مسير المحل؟ وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فهذه شركة مضاربة، والمضاربة: هي أن يدفع المالك إلى العامل مالاً ليتجر فيه، ويكون الربح مشتركاً بينهما بحسب ما شرطا، وأما الخسارة فهي على رب المال وحده ولا يتحمل العامل المضارب من الخسران شيئاً وإنما هو يخسر عمله وجهده.

وعرفها صاحب كنز الدقائق وهو حنفي بقوله: هي شركة بمال من جانب وعمل من جانب. انتهى.

ومن شروط صحتها -كما اتضح- عدم ضمان العامل لرأس المال لأنه مؤتمن، فإن ضمنه فسد العقد وكان المال وربحه لصاحبه وللعامل أجرة مثله أو ربح مثله على قول والأول أرجح.

قال في المغني: الربح جميعه لرب المال، لأنه نماء ماله، وإنما يستحق العامل بالشرط، فإذا فسدت المضاربة فسد الشرط، فلم يستحق منه شيئاً، ولكن له أجر مثله.

وفي بدائع الصنائع للكاساني: وأما حكم المضاربة الفاسدة... وإنما له أجر مثل عمله سواء كان في المضاربة ربح أو لم يكن. وراجع للمزيد من التفصيل في ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 47590، 50252، 78071.

وبناء عليه فأنت مؤتمن لا ضامن، وإذا كنت لم تفرط في حفظ ورعاية ما تحت يدك ولم تتعد عليه وإنما عملت فيه كما ينبغي فلا يجوز تضمينك إياه، لقوله صلى الله عليه وسلم: لا ضمان على مؤتمن.

وجاء في مغني المحتاج: والعامل أمين فيما في يده، فإن تلف المال في يده من غير تفريط لم يضمن لأنه نائب عن رب المال في التصرف فلم يضمن من غير تفريط كالمودع.

ويجب عليك أن تبين ما حصل في المال لصاحبه ولا تكتم عنه ما كان، فإن كانت هنالك خسارة في رأس المال فهي على ربه ولا ضمان عليك دون تعد أو تفريط.. ولا يلزمك سدادها سواء أكنت موسراً أو معسراً، وكتمان الحسابات الصحيحة من الغش والخداع والخيانة وتذكر ما ورد في سنن أبي داود عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإن خانه خرجت من بينهما.

وأما الديون الباقية فالذي يتحملها هو العامل، وعليه أن يسعى في تحصيلها وهو ضامن لها على الراجح إن كان فعلها دون إذن صريح أو ضمني من صاحب المال لأن ذلك من التعدي والتفريط الموجب للضمان.

قال الباجي من المالكية: وليس للعامل أن يبيع نسيئة إلا بإذن رب المال.

وبهذا تعلم أنه يلزمك ضمان مال شريكك فقط في حالة بيعك البضائع ديناً بدون إذن صريح أو ضمني منه، وإذا لم يكن عندك ما تسدد الدين به الآن وجب عليه إنظارك، كما قال الله تعالى: وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ. {البقرة:80}، دون أي زيادة على ما ضمنت. وأما إذا كنت أعطيت الدين بإذن منه فلا ضمان عليك ويلزمه الانتظار حتى يتم تحصيله، لكن لا تكتم عنه ما حصل ولا تغير في الحسابات شيئاً.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني