الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

خص بعض أولاده بعطية ثم مات قبل أن يستردها

السؤال

نحن أسرة تتكون من والدتي وستة أولاد وست بنات, توفي والدي رحمه الله منذ سنتين بالتحديد، قام والدي رحمه الله في حياته بإعطاء أخي الأكبر قطعة أرض وبنى بيتا له-أي لأخي- وقام بتزويجه وإعطائه مبلغا من المال للقيام بمشروع صناعي، وكذالك قام ببناء بيتين لاثنين من إخوتي الأولاد وأقام لكل منهما مشروعيين أحدهما تجاري والآخر صناعي بتمويل منه وعلى أرضه-أي تمويل وأرض والدي رحمه الله- وأخذ المشروعين واختص كلا منهما بمشروعه لحسابه-أي الأخوين-مع العلم بأن أحدهما كان عاطلا عن العمل لمدة لا تقل عن عشرة أعوام إثر توقفه عن الدراسة, عمل خلالها في المزرعة مع والدي رحمه الله، كما قام والدي رحمه الله بتسليمي محلا تجاريا ومبلغا من المال لأبدأ بالاعتماد على نفسي, وبعد فترة من العمل-أربعة سنوات- اشتريت محلا آخر من أرباح المحل الذي سلمني إياه والدي رحمه الله, وبعد سنة من وفاة والدي رحمه الله بنيت بيتا لي على أرض والدي رحمه الله, من أرباح المحل الذي سلمني إياه والدي رحمه الله والمحل الجديد، وقام والدي رحمه الله بإعطاء والدتي محل-بعقد هبه- قبل وفاته بزمن طويل وهو الآن مؤجر وتأخذ والدتي عائده المالي من الإيجار، لم يعط والدي رحمه الله اثنين من إخوني الأولاد أي شيء مع العلم بأنهما هاجرا خارج البلاد لفترة تزيد عن ربع قرن، وكذلك لم يعط كل أخواتي البنات أي شيء، وبعد فترة من وفاة والدي رحمه الله قمنا بتقسيم المال الذي كان موجودا في البنك حسب الشرع-الثمن للزوجة وللذكر مثل حظ الانثيين- وقسمنا الأرض كذلك حسب الشرع دون الأخذ في الحسبان المشاريع التي اختص بها والدي رحمه الله بعض أولاده دون غيرهم, بإعتبارها هبة أو عطية من والدي رحمه الله ولا تدخل في قسمة التركه. أفتونا أثابكم الله وجعلها الله في ميزان حسناتكم بكيفبة تقسيم التركة؟ مع العلم بأن جميع الأولاد والبنات يخافون من الله عز وجل ولا يريدون إلا مرضاة الله ورضاه وتطبيق شرعه، بالله عليكم لا تترددوا في طلب أي معلومه من شأنها أن تساعدكم في فتوى هذا الموضوع بصورة نهائية؟ وأعانكم الله لما فيه الخير وتحمل عنائه ومشاقه.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فيجب على الأب أن يعدل بين أولاده في العطية ذكوراً كانوا أو إناثاً على الراجح، وتفضيل الأبناء بعضهم على بعض من غير مسوغ من حاجة أو عوز هو نوع من الظلم، لما ثبت في الصحيحين واللفظ لمسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبشير بن سعد لما نحل ابنه النعمان نحلاً وأتى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهده على ذلك فقال له: "يا بشير ألك ولد سوى هذا؟ قال: نعم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكلهم وهبت له مثل هذا؟ قال: لا. قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلا تشهدني إذا ، فإنى لا أشهد على جور، وفي رواية لهما قال له أيضا: "فأرجعه". وفي رواية لمسلم : "اتقوا الله واعدلوا في أولادكم فرد أبي تلك الصدقة". وفي رواية عند أحمد : إن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم .

وإن خص الأب بعض أبنائه بعطية أو فاضل بينهم بدون مسوغ شرعي أثم ووجب عليه مع التوبة أن يرد ما فضل به البعض، أو يعطي الآخر مثل ما أعطى لغيره، لكن إن مات قبل ذلك -كما هو الحال هنا- ثبت للمعطى ما قبض وخص به.

قال ابن قدامة في الشرح الكبير: إذا فاضل بين ولده في العطايا أو خص بعضهم بعطية ثم مات قبل أن يسترده ثبت ذلك للموهوب له ولزم وليس لبقية الورثة الرجوع. هذا المنصوص عن أحمد في رواية محمد بن الحكم والميموني واختاره الخلال وصاحبه أبو بكر، وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي وأكثر أهل العلم وهو الذي ذكره الخرقي... لأنها عطية لولده فلزمت بالموت كما لو انفرد، ولأنه حق للأب يتعلق بمال الولد فسقط بموته كالأخذ من ماله. انتهى منه باختصار.

وبناء عليه.. فليس على من فُضِّل هنا أو اختصه الأب بهبة دون إخوانه أن يعيد ذلك ويقاسم إخوانه لكنه مما يستحب له. قال ابن قدامة في المغني: يستحب للمعطى أن يساوي أخاه في عطيته.

وكذلك ما أعطى الرجل لزوجته وحازته قبل وفاته أو مرض موته فإنها تختص به.

وأما ما تركه الأب من مال في حسابه أو عقار أو غيره فإنه يقسم كما أمر الله سبحانه، وإذا كان الورثة هم الزوجة والأبناء فحسب. فالقسمة هي كما ذكر في السؤال أن للزوجة ثمنها والباقي يقسم بين الأبناء للذكر مثل حظ الأنثيين.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني