الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

القذف.. أقسامه.. وحكم كل قسم

السؤال

هل كلمات القذف العرفي توجب الحد؟ مثل كلمة: إنسان فلتان، أو فلتانة، أو امرأة سمعتها فاحت وتمشي على حل شعرها، علما أن الشخص قالها في لحظه غضب ولم يقصد بها الزنا الصريح، بل القصد الشتم فقط.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد قسم العلماء ألفاظ القذف إلى ثلاثة أقسام: صريح وكناية وتعريض.

فالصريح: هو اللفظ الذي يقصد به القذف ولم يحتمل غيره، مثل: يا زان، ويا زانية.

والكناية: هي اللفظ الذي يفهم من وضعه احتمال القذف، مثل: يا فاجر يا فاسق يا خبيث، ويا خبيثة يا فاجرة يا فاسقة، وفلانة لا ترد يد لامس، وفلانة تحب الخلوة، ونحو ذلك.

والتعريض: هو اللفظ الذي يفهم مِنْهُ الْقَذْفُ بِغَيْرِ وَضعه، مثل: يا ابن الحلال، ولست زان ولا أمي زانية.

وقد اتفق العلماء على وجوب الحد بصريح القذف.

واختلفوا في كناياته، فذهب بعضهم إلى وجوب الحد بها أيضا، لكن إذا أنكر القاذف إرادته للقذف، قبل منه ذلك بيمينه، لكنه يعزر على تفصيل في ذلك.

وذهب بعضهم إلى عدم وجوب الحد بذلك، لكن يعزر.

وأما التعريض بالقذف: فذهب بعض العلماء إلى أنه لا يحد, وإنما يعزر.

ومنهم من ذهب إلى أنه إذا عرَّض بالقذف غير أب، يجب عليه الحد إن فهم القذف بتعريضه بالقرائن، أما الأب إذا عرض لولده، فإنه لا يحد.

وذهب آخرون إلى أن التعريض بالقذف ليس بقذف وإن نواه.

وقيل: هو كناية عن القذف، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: القذف على ثلاثة أضرب: صريح، وكناية، وتعريض، فاللفظ الذي يقصد به القذف: إن لم يحتمل غيره فصريح، وإلا فإن فهم منه القذف بوضعه فكناية، وإلا فتعريض.

واتفق الفقهاء على أن القذف بصريح الزنا يوجب الحد بشروطه.

وأما الكناية: فعند الشافعية والمالكية: إذا أنكر القذف صدق بيمينه، وعليه التعزير عند جمهور فقهاء الشافعية، للإيذاء، وقيده الماوردي بما إذا خرج اللفظ مخرج السب والذم، فإن أبى أن يحلف، حبس عند المالكية، فإن طال حبسه ولم يحلف عزر، ولكنهم اختلفوا في بعض الألفاظ.

وعند الحنفية والحنابلة: لا حد إلا على من صرح بالقذف.

لكنه عليه التعزير لأنه ارتكب حراما، وليس فيه حد مقدر ولأنه ألحق به نوع شين بما نسبه إليه، فيجب التعزير، لدفع ذلك الشين عنه.

وأما التعريض بالقذف: فقد اختلف الفقهاء في وجوب الحد به: فذهب الحنفية: إلى أن التعريض بالقذف، قذف، كقوله: ما أنا بزان، وأمي ليست بزانية، ولكنه لا يحد، لأن الحد يسقط للشبهة، ويعاقب بالتعزير، لأن المعنى: بل أنت زان.

وذهب مالك: إلى أنه إذا عرض بالقذف غير أب، يجب عليه الحد إن فهم القذف بتعريضه بالقرائن، كخصام بينهم، ولا فرق في ذلك بين النظم والنثر، أما الأب إذا عرض لولده، فإنه لا يحد، لبعده عن التهمة، وهو أحد قولين للإمام أحمد، لأن عمر ـ رضي الله عنه ـ استشار بعض الصحابة في رجل قال لآخر: ما أنا بزان ولا أمي بزانية، فقالوا: إنه قد مدح أباه وأمه، فقال عمر: قد عرض لصاحبه، فجلده الحد.

والتعريض بالقذف عند الشافعية، كقوله: يا ابن الحلال، وأما أنا فلست بزان، وأمي ليست بزانية، فهذا كله ليس بقذف وإن نواه، لأن النية إنما تؤثر إذا احتمل اللفظ المنوي، ولا دلالة هنا في اللفظ، ولا احتمال، وما يفهم منه مستنده قرائن الأحوال، هذا هو الأصح، وقيل: هو كناية، أي عن القذف، لحصول الفهم والإيذاء، فإن أراد النسبة إلى الزنا فقذف، وإلا فلا وسواء في ذلك حالة الغضب وغيرها، وهو أحد قولي الإمام أحمد. هـ بتصرف.

ومما سبق يتضح أن الألفاظ المذكورة في السؤال قد تكون من قسم الكنايات، وعليه.. فإذا كان المتكلم لم يقصد بها الرمي بالزنا وإنما قصد الشتم فقط، فلا حد عليه، لكنه يستحق أن يؤدبه الحاكم بما يردعه عن ذلك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني