الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يلزم النائب في الحج أن يحج من بلد المنوب عنه أو أن يحرم من ميقاته

السؤال

رجل مات ولم يحج، وكانت له قدرة بدنية ومالية، وبعد مماته أرسل أهله مبلغا من المال إلى الديار المقدسة، ليتم الحج عنه عن طريق طالب علم من هناك، فهل يجزئ ذلك عن حجة الإسلام؟ أم يعتبر ذلك صدقة؟ حيث إن هناك رأيا في العراق يقول: إن الحج في هذه الحالة يعتبر صدقة، وحتى تكون حجة كاملة على الأهل أن يرسلوا شخصا من بلدهم ويعطوه النفقة الكاملة للحج عن الميت.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فعلى أهل الرجل أن يجتهدوا في الاستغفار له، فإنه قد فرط تفريطا عظيما بتركة الحج الواجب عليه حتى مات.

ثم الواجب أن يستناب من يحج عنه من تركته ـ ولو لم يوص بذلك ـ على الراجح من قولي العلماء، وأوجب الحنابلة أن يحج عنه من حيث وجب الحج عليه، وذلك من بلده، قال البهوتي في الروض المربع: وإن مات من لزماه أي الحج والعمرة أخرج من تركته من رأس المال ـ أوصى به أو لا ـ ويحج النائب من حيث وجبا على الميت، لأن القضاء يكون بصفة الأداء. انتهى.

وفي المسألة قول ثان وهو أن النائب يلزمه أن يحج من الميقات الذي كان على المحجوج عنه أن يحرم منه قال في حاشية الروض: وقيل يجزئ من ميقاته وهو مذهب مالك والشافعي ويقع الحج عن المحجوج عنه. انتهى.

وفصل ابن قدامه خلاف العلماء في هذه المسألة فقال ـ رحمه الله ـ في المغنى: ويستناب من يحج عنه حيث وجب عليه، إما من بلده أو من الموضع الذي أيسر فيه، وبهذا قال الحسن وإسحاق ومالك في النذر، وقال عطاء في الناذر إن لم يكن نوى مكانا فمن ميقاته واختاره ابن المنذر، وقال الشافعي فيمن عليه حجة الإسلام يستأجر من يحج عنه من الميقات، لأن الإحرام لا يجب من دونه.انتهى.

ورجح العلامة العثيمين ـ رحمه الله: أن شيئا من ذلك لا يلزم، وأنه يجوز أن يحج النائب ولو من مكة وذلك، لأن السعي ليس مقصودا لذاته، ولعل هذا أرجح ـ إن شاء الله ـ قال الشيخ العثيمين ـ رحمه الله: فالقول الراجح أنه لا يلزمه أن يقيم من يحج عنه من مكانه، وله أن يقيم من يحج عنه ولو من مكة، ولا حرج عليه في ذلك، لأن السعي إلى مكة مقصود لغيره.انتهى.

وهذا وجه عند علماء الشافعية، وقد صرح بعض العلماء بأنه إذا لم يتسع ماله إلا لاستنابة من يحج عنه ولو من مكة جاز ـ إن شاء الله ـ قال في حاشية الروض: إلا إن ضاق ماله جاز ولو من غير مكانه. انتهى.

وننبه إلى أن دفع النفقة كاملة إلى النائب ليس شرطا في صحة الحج عن المحجوج عنه، بل لو تبرع بالحج عنه دون نفقة أو أسقط بعض النفقة، فإن الحج يقع عن المحجوج عنه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني