الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم رجوع الأخ على أخيه بما أنفقه عليه للدراسة

السؤال

لي أخ يعمل بإحدى الدول الخليجية، وتوسط له أخي الأكبر منه مع والدي عند أحد أقاربنا الذي يعمل بدولة عربية ليسافر ويساعد الأسرة ويسدد ما أثقل كاهلها من ديون وقروض، وخاصة أن ما حصل عليه من مؤهل كان مطلوبا لديهم وسافر بالفعل ـ والحمد لله ـ ووفق لسداد ديون العائلة ومساعدة إخوته وسدد عنهم ديونهم، ويحتفظ حاليا بجميع المبالغ التي ساعد بها أسرته، والسؤال هو: بعد مرور أكثر من خمس سنوات أرسل لأخي الأكبر دعوة ليأتي ويعمل بإحدى الدول العربية، وكان قد ساعده أيضا في سداد ديونه واستكمال مسيرته التعليمية حتى حصل على أعلى الشهادات، وقد بلغ إجمالي ما ساعده به في حدود أربعة آلاف دولار على مدار الخمس سنوات، والآن ـ بعد أن أكرمه الله وأصبح يعمل مع أخيه بإحدى الدول العربية ـ طالبه بأن يسدد له المبلغ الذي ساعده به على مدار السنوات الخمس، إلا أن أخي الأكبر أبدى استغرابه من هذه المطالبة إلا أنه وافق وقال له سأقوم بتقسيطها لك بالتدريج، مع العلم أنه يستطيع دفعها مرة واحدة، فهل هذا المبلغ من حق أخي الأصغر أن يطالبه به ويسترده منه؟ خاصة وأنه لا يطالب سوى أخي هذا فقط على أساس أنه يعمل بدولة عربية، أما باقي الأسرة فلم يطالب بها أحدا منهم في الوقت الحالي، ووصل الأمر إلى سوء العلاقة من جانب الأخ الأصغر وقطع صلته بأخيه الأكبر ومخاصمته، على الرغم من محاولة أخيه مصالحته وملاطفة الأجواء معه، ويقول له ليس لدي مانع من سداد هذا المبلغ، لكن أقسطه لك على دفعات، خاصة أنني لم أحصل عليه مرة واحدة كما تريده مرة واحدة، وتدخل الأب بينهما إلا أن الأخ الأصغر لم يسمع له وشغله الشاغل هو المبلغ المذكور، فقام الأخ الأكبر بإعطائه أول مبلغ من القسط وهو أربعمائة دولار على جدية السداد إلا أن الأخ الأصغر لم يقبلها وقام بإلقائها على الأرض، مطالبا بالمبلغ دفعة واحدة، وعلى الرغم مما حدث من الأخ الأصغر من جفاء ومقاطعة لأخيه الأكبر إلا أن الأخ الأكبر فى كل مرة يحاول أن لا يكون بينهما خصام ويعمل على وصال أخيه الذي يقاطعه. وفي كل مرة يصله فيها يعود الأخ الأصغر للمقاطعة مرة أخرى، وعندما بدأ شهر رمضان حاول أخوه الأكبر أن يتحدث إليه ويهنئه بالشهر الكريم إلا أنه لم يجبه.
فنرجو الإفادة، وهل يعتبر أخي الأكبر مماطلا في سداده للمبلغ الذي يطلبه أخوه الأصغر والذي لم يكن من البداية على هيئة قرض، وإنما على صورة مساعدات على مدار أكثر من خمس سنوات ولفترات متباعدة؟ وهل الأخ الأصغر يستحق هذا المبلغ؟ وأيهما يأثم على فعلته؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإذا كان الأخ الأصغر أنفق على أخيه ما أنفق على سبيل القرض فله أن يطالب به، أما إن كان أنفق على سبيل الهبة والتبرع فليس له الرجوع، إلا أن يكون فعل ذلك ناويا الرجوع على أخيه بما أنفقه، ففي هذه الحالة يجب على الأخ الأكبر دفع المبلغ جملة واحدة ـ إن كان قادرا على ذلك ـ وأما إن كان عاجزا عن رد المبلغ دفعة واحدة، فيجب إمهاله فيما عجز عنه، قال تعالى: وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {البقرة: 280}.

وعلى ذلك، فلا يأثم الأخ الأكبر بتقسيط ما عجز عن سداده دفعة واحدة، ولا يعد بذلك مماطلا، بل يأثم أخوه الأصغر إن طالبه بدفع ما يعجز عنه.

وننبه إلى مراعاة الأدب الشرعي في المطالبة بالحقوق، قال عليه الصلاة والسلام: رحم الله رجلا سمحا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى. رواه البخاري. اقتضى: طلب حقه.

وعموما فإننا نصح الأخ الصغير بحسن معاملة أخيه الكبير وتوقيره والتأدب معه وتذكر سبق فضله عليه عندما توسط له ليعمل، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويوقر كبيرنا. رواه الترمذي وصححه الألباني.

وانظر لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 124857.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني