الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الوصية لغير وارث- بشروطها الشرعية -واجبة التنفيذ ولا يجوز تبديلها

السؤال

توفى رجل وترك مالاً وله ثلاثة أولاد وثلاث بنات وثلاث أخوات.
وقام بوصية كالآتي: ترث الزوجة الثمن وترث واحدة فقط من أخواته العشر، ثم يتم تقسيم باقي المال حسب الشريعة الإسلامية، فقمت أنا -أحد الأبناء- بالاتصال باثنتين من عماتي وأخبرتهن أن والدي قد ترك لهن مالاً ولم أخبرهما أنه قد ترك لواحدة دون الأخريات، وعزمت على إعطاء العشر إلي اثنتين منهما حتي لا تكرهه التي لم يوص لها بشيء، حيث إنهما تسكنان في مكان واحد، والاثنتان حالتهما المادية متوسطة، ولكن الثالثة التي لم يوص أبي لها بشيء حالتها ميسورة وتسكن في مكان مختلف، فهل ما فعلته أنا خطأ، حيث إنه مخالف لوصية أبي؟ لأن عماتي تسكنان في مكان لا أستطيع أن أصل إليهما ولا يوجد أحد يمكنه الوصول إليهما وهما قد تجاوزتا الثمانين من العمر، فماذا أفعل لإعطائهما مالهما؟ وقد توفي أبي منذ ثلاث سنوات ولا أستطيع إرسال نقودهما إليهما، وقد قمت بإعطاء أخواتي ميراثهن وبقي جزء لهن، حيث إنه قبل أن يتوفي والدي أنفقت المال لأنه لم يكن لي مصدر رزق وقمت بسداده مباشرة بعد أن توفي، أي أنني أنفقته في حياته وأثناء مرضه الذي دام لخمس سنوات وأعطيته لورثته بعد أن توفي، فهل علي من شيء سوى ما تبقى لهن؟ وعلى فرض أنني لم أستطع تأدية ما بقي لهن علي، فهل علي إثم؟.
وأعتذر للإطالة، ولكن الموضوع يؤرقني منذ ثلاث سنوات، وجزاكم الله كل الخير.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فجوابنا يتلخص فيما يلي:

أولاً: الزوجة ترث الثمن إن مات زوجها وله ولد بفرض الله تعالى، فهي تأخذ الثمن من التركة إرثاً بحكم الله تعالى، لكن إن أوصى لها الزوج بالثمن أيضاً زائدا على نصيبها من الميراث فهي وصية لوارث لا تمضي إلا بإذن الورثة، فقد نص الفقهاء على أن من أوصى لوارث بنصيبه فإن الوصية تصح وتوقف على إذن الورثة، قال الشربيني الشافعي في مغني المحتاج: لو أوصى لبعضهم بقدر حصته كأن أوصى لأحد بنيه الثلاثة بثلث ماله فإنه يصح ويتوقف على الإجازة، فإن أجيز أخذه وقسم الباقي بينهم بالسوية. انتهى.

فالوصية للوارث إذا لا تمضي إلا إذا رضي الورثة بإمضائها، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 121878.

ثانياً: وأما وصية والدك بأن ترث إحدى أخواته العشر، فأخته لا ترث مع وجود ابن له وهي محجوبة حجب حرمان، ويكون قوله ذلك وصية لأخته، وهي وصية واجبة التنفيذ، لأنها وصية لغير وارث بما لا يزيد على الثلث.

ثالثاً: قسمة الموصى به بين العمتين بدل إعطائه للعمة الموصى لها، يعتبر من تبديل الوصية، وتبديلها محرم لقوله تعالى: فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {البقرة:181}.

قال ابن كثير ـ رحمه الله: فمن بدل الوصية وحرفها فغير حكمها وزاد فيها أو نقص - ويدخل في ذلك الكتمان لها بطريق الأولى- فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ. انتهى.

ووصية والدك لبعض أخواته دون بعض ليست وصية جائرة حتى يقال بجواز تبديلها، فهو لم يترك بتلك الوصية أمراً واجباً، ولا يجب عليه العدل بين أخواته في الوصية أو العطية والهبة فلا يجوز لك ـ أخي ـ تبديل وصية والدك، ويلزمك أن ترد الحق إلى أهله.

رابعاً: يجب عليك إيصال المال إلى عمتك الموصى لها، فإن عجزت فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ويبقى المال محفوظاً إلى أن يتيسر إيصاله لها، فإن ماتت قبل أن تستلمه يعطى لورثتها.

خامساً: إنفاقك المال في حياة أبيك إن كان بغير رضاه فهذا لا يجوز، وعليك أن تتوب إلى الله منه، وما دمت رددت المال إلى الورثة فقد فعلت الواجب عليك، وكذا لا يجوز لأحد الورثة أن يتصرف في التركة بدون إذن بقية الورثة، فإن فعل فهو آثم وضامن يلزمه أن يدفع للورثة نصيبهم الشرعي، فإن كنت قد تصرفت في المال من غير أن تستأذن إخوتك وأخواتك فأنت آثم ويلزمك دفع ما بقي في ذمتك إلا إذا تنازلوا لك عنه وكانوا بالغين رشداء.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني