الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تجاوز الله عن الزلة تقع من الابن البار في حق والديه

السؤال

منذ أن ماتت أمي ـ رحمها الله ـ وأنا أحاسب نفسي على تقصيري معها وعلى كل شيء مثل صراخي في البيت أو حتى معاملتي، فأمي كانت مريضة وكنت أظل بجانبها وأخدمها، لكنني أحيانا أكون متضايقا من أمر ما وينعكس ذلك في البيت وقبل أن تموت أمي بيوم حدث نقاش بيننا وصرخت أمامها، لكن مع العلم أن أمي تحبني كثيرا وأنا أحبها وما يصدر مني هو من ضغوطات الحياة ولم أتعمد في يوم من الأيام أن أصرخ عليها، بل كنت أغضب لوحدي وعلى نفسي، لكن أمامهم، فهل هذا شي طبيعي يحدث بين الأهل؟ أم هو عقوق؟ فأنا في كل يوم أحاسب نفسي وأدعو الله أن يوفقني لبر أبوي، لكن عندي ندم كبير وألم وألوم نفس دائما وأخاف أن تكون ماتت وفي قلبها شيء من الحزن أو الغضب تجاهي أو أكون أنا السبب في موتها ـ والعياذ بالله ـ وأنا والآن أدعو لها دائما وأتصدق عنها وقد التزمت أكثر من ذي قبل في صلاتي وأعمالي ـ والحمد لله ـ حتى أكون ولدا صالحا ويتقبل الله عز وجل دعائي لها.
هل عدم تقبيل يد أبوي يوميا من العقوق؟ فأنا أحب تقبيل يديهما في كل يوم، لكن لا أفعل ذلك إلا في المناسبات وفي بعض الأحيان، لأنني لم أتعود على ذلك، فأرجو الإجابة العاجلة، لأن ذلك يؤلمني كثيرا ووالله الذي لا إله غيره إنني أحب أمي كثيرا وأحمد الله عل حسن ختامها، فهي امرأة مصلية وقارئة للقرآن وصائمة وقد توفيت في صباح أول يوم عيد الفطر المبارك وكان آخر أعمالها الصيام وصلاة الفجر وصلاة العيد، وهي تحبني كثيرا وكانت دائما تخاف علي وقلبها طيب جدا ولا أتوقع منها الغضب وهي ـ بإذن الله ـ راضية عنا، لكن ماذا أفعل بالألم واللوم والندم الذي يصاحبني حتى صرت لا أشعر بطعم السعادة بعدها؟ وكيف أرضيها في قبرها؟ اللهم ارحم أمي واغفر لها واجمعني بها في الجنة واجعل أعمالي الصالحة معها في حياتها وفي موتها برا لها واغفري لي تقصيري معها وأعني على بر والدي يا الله واغفر لجميع المؤمنين يارب العالمين.
أرجو الدعاء لأمي ـ رحمها الله.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنسأل الله سبحانه أن يرحم أمك رحمة واسعة وأن يسكنها فسيح جناته ويكتبك من البارين بها في حياتها وبعد مماتها.

واعلم ـ أيها السائل ـ أن الله سبحانه بفضله ورحمته يتجاوز عما يكون من الولد في حق والديه من الهفوة والبادرة التي تصدر منه وقت الضجر والغضب إذا كان الأصل فيه البر إلى والديه والإحسان إليهما وإكرامهما وإجلالهما.

قال سبحانه: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا{الإسراء:25}.

قال القرطبي عند تفسيره لهذه الآية: وقال ابن جبير: يريد البادرة التى تبدر، كالفلتة والزلة، تكون من الرجل إلى أبويه أو أحدهما، لا يريد بذلك بأسا، قال الله تعالى: إن تكونوا صالحين.

أي صادقين في نية البر بالوالدين فإن الله يغفر البادرة.

وقوله: فإنه كان للاوابين غفورا.

وعد بالغفران مع شرط الصلاح والاوبة.

وإنَّا في ضوء ما ذكرت من حالك مع أمك لا نرى منك عقوقا لها ولا تسببا في موتها, أما هذه الهنات التي كانت منك في حقها فيمكنك التكفير عنها بالمداومة على الدعاء لها والإحسان إليها بالصدقة وإكرام أصدقائها وصلة أرحامها، فإن ذلك من البر الذي لا ينقطع بوفاتها.

فقد روى أبو داود وابن ماجه عن أبي أسيد مالك بن ربيعة الساعدي ـ رضي الله عنه ـقال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله، هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: نعم، الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما من بعدهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما.

ولا يشترط للبر المداومة على تقبيل يد الوالدين كل يوم ـ كما ظننت ـ وراجع حكم تقبيل يد الوالدين في الفتويين رقم: 13930, ورقم: 43760 .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني