الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الحساب الأخروي يختلف من شخص لآخر

السؤال

كيف يمن الله على أناس ولا يمن على آخرين ويعطي أناسا ولا يعطي آخرين، مع أن الميزان في الآخرة واحد؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فيقول الله تعالى: إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا {النساء:40}.

وفي الحديث القدسي: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا. رواه مسلم. ومن أسماء الله الحسنى: العدل، ومن أسمائه أيضا: الحكيم، وهو سبحانه أحكم الحاكمين، ومن أحسن من الله حكما؟ ونحن لا نحيط علما بحكمته، بل لا نعلم شيئا منها إلا بإذنه، ولذلك قال سبحانه عن نفسه: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ{الأنبياء: 23}.

فعلينا أن نقر ونسلم بأن له العدل المطلق والحكمة المطلقة، ومع ذلك نقول: أولا: لا ريب أن الله قد فاوت بين عباده في العطاء والمنع، إلا أنه ـ أيضا ـ قد فاوت بينهم فيما أوجبه عليهم بحسب اختلاف أحوالهم، ولذلك قال الله جل وعلا: لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا{الطلاق:7}. وقال: لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا {البقرة:286}.

فيجب على القادر ما لا يجب على العاجز، ويجب على القوي ما لا يجب على الضعيف، وبالتالي فيختلف السؤال والحساب من شخص لآخر، فحساب الفقير ليس كحساب الغني، وحساب الجاهل ليس كحساب العالم.

ثانيا: الكل مبتلى، إلا أن البلاء يختلف من شخص لآخر، فإن الابتلاء تارة يكون بالخير وتارة يكون بالشر، قال الله عز وجل: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ{الأنبياء:35}.

فهذا يبتلى ليمتحن صبره، وذاك يبتلى ليمتحن شكره، فعلى الإنسان عبودية في حالة السراء، كما أن عليه عبودية في حالة الضراء، وهذا التنوع كله تابع لحكمته سبحانه التي تعجز عقول البشر عن الإحاطة بها.

ثالثا: أعمال القلوب والنيات الباعثة على أعمال الجوارح ليست بمعزل عن الميزان، فعن أبي كبشة الأنماري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل هذه الأمة كمثل أربعة نفر: رجل آتاه الله مالا وعلما فهو يعمل بعلمه في ماله، ينفقه في حقه، ورجل آتاه الله علما ولم يؤته مالا، فهو يقول: لو كان لي مثل هذا عملت فيه مثل الذي يعمل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهما في الأجر سواء، ورجل آتاه الله مالا ولم يؤته علما فهو يخبط في ماله ينفقه في غير حقه، ورجل لم يؤته الله علما ولا مالا، فهو يقول: لو كان لي مثل هذا عملت فيه مثل الذي يعمل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهما في الوزر سواء. رواه ابن ماجه والترمذي وأحمد، وصححه الألباني.

فدل هذا على أن الفقير ينال أجر الصدقة بنيته وإن لم يتصدق.

وقال عليه الصلاة والسلام: سبق درهم مائة ألف درهم! قالوا: وكيف؟ قال: كان لرجل درهمان تصدق بأحدهما، وانطلق رجل إلى عرض ماله فأخذ منه مائة ألف درهم فتصدق بها. رواه النسائي وأحمد، وحسنه الألباني.

فالصدقة تتفاوت في الأجر بحسب المقاصد والأحوال.

وانظر لمزيد الفائدة الفتاوى التالية أرقامها 77624، 8652 ، 71516.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني