الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

سبب عدم استيعاب البخاري ومسلم جميع الأحاديث

السؤال

من المعلوم أن الإمامين البخاري ومسلم لم يستوعبا جميع الأحاديث الصحيحة.هل يمكن أن نعرف الأسباب التي جعلتهما يتركان بعض الأحاديث مع علمهما أنها صحيحة ؟ وهل يمكن أن نعرف هل بلغتهما الأحاديث الصحيحة الموجودة في غير كتابيهما من كتب السنة؟ ولماذا تركاها ؟ وهل تكلما على الأحاديث التي تركاها مع علمهما بصحتها ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد سمى الإمام البخاري رحمه الله كتابه الصحيح: (الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه و سلم وسننه وأيامه).

ويتبن من هذا الاسم أن البخاري رحمه الله لم يقصد استيعاب الصحيح، وإنما أراد تجريده.

وكذلك الإمام مسلم لم يقصد استيعاب الصحيح، فقد قال في صحيحه بعد زيادة:" وإذا قرأ فأنصتوا" من حديث أبي موسى الأشعري قال: ليس كل شيء عندي صحيح وضعته هاهنا، إنما وضعت هاهنا ما أجمعوا عليه اهـ.

وبهذا يتبين أن الإمامين لم يقصدا استيعاب الصحيح، وأن عندهم أحاديث صحيحة لم يضعوها في صحيحيهما، ومما يؤكد ذلك ما ذكره الحافظ ابن حجر في (مقدمة فتح الباري): قال البيكندي: قدم علينا البخاري فقال له رجل من أصحابنا: سمعت إسحاق بن راهويه يقول: كأني أنظر إلى سبعين ألف حديث من كتابي ! فقال له محمد بن إسماعيل: أو تعجب من هذا القول ؟ لعل في هذا الزمان من ينظر إلى مائتي ألف من كتابه. وإنما عني نفسه. وقال محمد بن حمدويه: سمعت البخاري يقول: أحفظ مائة ألف حديث صحيح، وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح اهـ.

ومن المعلوم أن عدد أحاديث صحيح البخاري أقل من خمسة آلاف حديث، ففي هذا جواب للسائل الكريم عن سؤال:هل بلغتهم ؟

وقال السخاوي في (فتح المغيث): قد صرح كل منهما بعدم الاستيعاب، فقال البخاري فيما رويناه من طريق إبراهيم بن معقل عنه: ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صح، وتركت من الصحيح خشية أن يطول الكتاب. وقال مسلم: إنما أخرجت هذا الكتاب وقلت هو صحاح، ولم أقل إن ما لم أخرجه من الحديث فيه ضعيف اهـ.

وقال ابن كثير في (الباعث الحثيث اختصار علوم الحديث): ثم إن البخاري ومسلما لم يلتزما بإخراج جميع ما يحكم بصحته من الأحاديث، فإنهما قد صححا أحاديث ليست في كتابيهما، كما ينقل الترمذي وغيره عن البخاري تصحيح أحاديث ليست عنده، بل في السنن وغيرها اهـ.

وفي ما ذكره ابن كثير والسخاوي جواب عن ما يتعلق بقول السائل الكريم: هل تكلموا على الأحاديث التي تركوها مع علمهم بصحتها؟ وكذلك عن سبب تركهما لمحاولة الاستيعاب، وهو خشية الإطالة.

وقال النووي في مقدمته على شرح صحيح مسلم: لم يلتزما استيعاب الصحيح، بل صح عنهما تصريحهما بأنهما لم يستوعباه، وإنما قصدا جمع جمل من الصحيح، كما يقصد المصنف في الفقه جمع جملة من مسائله، لا أنه يحصر جميع مسائله، لكنهما إذا كان الحديث الذي تركاه أو تركه أحدهما مع صحة إسناده في الظاهر أصلا في بابه ولم يخرجا له نظيرا ولا ما يقوم مقامه، فالظاهر من حالهما أنهما اطلعا فيه على علة، إن كانا روياه، ويحتمل أنهما تركاه نسيانا، أو إيثارا لترك الإطالة، أو رأيا أن غيره مما ذكراه يسد مسده، أو لغير ذلك اهـ.

ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتويين رقم: 128097، 108617.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني