الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم السخرية من الكافر والاستهزاء به

السؤال

هل يجوز للمسلم أن يسخر من الكافر ويستهزئ به؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالسخرية والاستهزاء من الكافر غير جائزة إذا كان من أهل الذمة أو معاهداً، وانظر في تعريف الذمي والمعاهد والفرق بينهما الفتوى رقم: 25713، ونحيط السائل علماً بأن هذه المسألة تندرج ـ كذلك ـ تحت مسألة غيبة الكافر، فالسخرية والاستهزاء نوع من أنواع الغيبة ـ في قول طائفة من العلماء ـ قال ابن حجر الهيتمي في الزواجر عن اقتراف الكبائر: الكبيرة الحادية والخمسون بعد المائتين: السخرية والاستهزاء بالمسلم.

تنبيه: عد هذا أي السخرية والاستهزاء هو ما ذكره بعضهم مع ذكره للغيبة وفيه نظر، لأنه من أفرادها كما علم مما مر فيها. انتهى.

ومن هذا المنطلق سنذكر حكم الغيبة والسخرية من الكافر، وهذه طائفة من أقوال العلماء وأدلتهم في هذه المسألة، قال ابن حجر الهيتمي: سئُل الغزالي في فتاويه عن غيبة الكافر، فقال: هي في حق المسلم محذورة لثلاث علل: الإيذاء وتنقيص خلق الله، فإن الله خالق لأفعال العباد، وتضييع الوقت بما لا يعني، قال: والأولى تقتضي التحريم، والثانية الكراهة، والثالثة خلاف الأولى.

وأما الذمي فكالمسلم فيما يرجع إلى المنع من الإيذاء، لأن الشرع عصم عرضه ودمه وماله، قال في الخادم: والأولى هي الصواب.

وقد روى ابن حبان في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سمع يهودياً أو نصرانياً فله النار.

ومعنى سمعه: أسمعه بما يؤذيه، ولا كلام بعد هذا أي لظهور دلالته على الحرمة.

قال الغزالي: وأما الحربي فليس بمحرم على الأولى، ويكره على الثانية والثالثة.

وأما المبتدع: فإن كفر فكالحربي، وإلا فكالمسلم، وأما ذكره ببدعته فليس مكروهاً.

وقال ابن المنذر في وقوله صلى الله عليه وسلم: ذكرك أخاك بما يكره.

فيه دليل على أن من ليس أخاك من اليهود والنصارى أو سائر أهل الملل، أو من أخرجته بدعة ابتدعها إلى غير دين الإسلام لا غيبة له. انتهى من الزواجر عن اقتراف الكبائر.

وحديث: من سمع يهودياً أو نصرانياً فله النار.

قال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرطهما.

انتهى من الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان.

فالسخرية أو غيبة الذمي غير جائزة، وأما الكافر الحربي فلا تحرم غيبته أو السخرية أو الاستهزاء به، وقد سبق كلام الغزالي وابن المنذر في النقل السابق عن كتاب الزواجر.

وقال الشيخ زكريا الأنصاري: وغيبة الكافر محرمة إن كان ذمياً، لأن فيها تنفيراً لهم عن قبول الجزية وتركاً لوفاء الذمة، ولقوله صلى الله عليه وسلم: من سمع ذمياً وجبت له النار.

رواه ابن حبان في صحيحه.

ومباحة إن كان حربياً، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يأمر حسان أن يهجو المشركين.

انتهى من أسنى المطالب مع حاشيته.

وقال الرازي في فوائد تفسير قوله تعالى: ولا يغتب بعضكم بعضاً.

ثانيها: لو قال قائل هذا المعنى كان حاصلاً بقوله تعالى ـ لا تغتابوا ـ مع الاقتصار عليه نقول لا، وذلك لأن الممنوع اغتياب المؤمن فقال: بعضكم بعضاً.

وأما الكافر فيعلن ويذكر بما فيه وكيف لا؟ والفاسق يجوز أن يذكر بما فيه عند الحاجة.

ثالثها: قوله تعالى: أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا.

دليل على أن الاغتياب الممنوع اغتياب المؤمن لا ذكر الكافر، وذلك لأنه شبهه بأكل لحم الأخ، وقال من قبل: إنما المؤمنون إخوة.

فلا أخوة إلا بين المؤمنين، ولا منع إلا من شيء يشبه أكل لحم الأخ، ففي هذه الآية نهى عن اغتياب المؤمن دون الكافر. انتهى من تفسير الفخر الرازي.

وهذا كله بشرط أن يكون ذلك بحق فلا يكذب المسلم أو ينطق بألفاظ محرمة، وأن لا يترتب عليها مفسدة كان يؤدي ذلك إلى الاستهزاء بالإسلام والمسلمين أو وقوع ضرر على مسلم بسبب هذا الاستهزاء أو مفسدة، وهذا كما نهى سبحانه عن سب آلهة المشركين مع أن هذا مطلوب للتنفير عنها إذا كان يترتب عليه مفسدة أعظم وهي سب المشركين لله عز وجل، فقال تعالى: وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ {الأنعام:108}.

والأولى هو التورع عن ذلك وعدم تضييع الأوقات بما لا يفيد، والاشتغال بما يعود على المسلمين بعودة عزهم والتمكين لدينهم ففي هذا أعظم النكاية بالكفار بدلاً من صرف الجهود والأعمار في التنفيس عن الغضب بما لا يجدي، وكذلك ليس من أخلاق المؤمنين بذاءة اللسان، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء.

رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب، وصححه الألباني.

وللمزيد من الفائدة راجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 94517، 19944، 23256.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني