الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نزول الموت بالناس لا يعني التخلي عن عمارة الدنيا

السؤال

ما حكم الدين عندما يسمع شخص عن حالات وفاة مفاجئة ويفكر أنه لا داعي لتطوير نفسه أو أن يكون لديه طموحات يريد تحقيقها لأنه في أية لحظة سيموت، فلا يرغب في أن يكون لديه أحلام أو طموحات في المستقبل ولا يتزوج ولا يفكر في أن تكون له وظيفة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن ذكر الموت من الأمور المهمة في ترقيق القلب والإقبال به على الله تعالى، وقد وردت الأحاديث الصحيحة في الأمر بالإكثار من ذكر الموت، ومما يعين على ذلك استحضار مصارع من يبغتهم الموت ويأتيهم فجأة فيعلم المسلم أنه قد ينتقل في أي لحظة من لحظات عمره إلى ربه عز وجل، وأن الموت يأتي بغتة فلا يدري أحد متى يكون أجله: فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ. والأمر بالإكثار من ذكر الموت إنما ورد ليجتهد المؤمن في التأهب للقاء الله تعالى، وأن يقصر أمله في هذه الدنيا، وأن يحسن العمل ما أمكنه ويأخذ زاده من العمل الصالح الذي ينجيه من سخط الله وعقوبته.

وأما أن يكون ذكر الموت أو الخوف منه مانعاً من تحصيل عمل أو كسب عيش أو اتخاذ زوجة فهذا لم يرده الإسلام، فالخوف من الموت وذكره إذن على نوعين أحدهما: خوف إيجابي يحمل على العمل والسعي والاجتهاد في طاعة الله تعالى، ومن ذلك أن يتزوج المسلم بنية صالحة تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإن الزواج من القربات التي يحبها الله تعالى ويثيب عليها، وكذا إذا حصل المسلم عملاً دنيوياً حسناً ونيته في ذلك أن يعف نفسه عن المسألة ويكفي من يمونه النفقة وينفع إخوانه المسلمين فهذه أيضاً عبادة يتقرب بها إلى الله تعالى، فمثل هذا المسلم الذي ذكر الموت وخافه خوفاً إيجابياً حمله على العمل والسعي والاجتهاد في طاعة الله على النحو الذي ذكرنا هو الذي حقق مقصود الشارع من الأمر بالإكثار من ذكر الموت، وهذا الذي إن أتاه الموت في أي لحظة أتاه وهو متأهب له ومستعد لنزوله بما أعده من صالح العمل الذي يرجو به رحمة الله تعالى.

وهذا سيد الذاكرين للموت صلى الله عليه وسلم لم يترك السعي ولا الزواج بزعم أن الإنسان قد يموت في أي لحظة، وهؤلاء خير الناس بعد النبيين وأكثرهم تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم وهم الصحابة الكرام لم يدعوا العمل ولا الضرب في الأرض والسعي لتكسب ما يعفون به أنفسهم وأهليهم ولا تركوا اتخاذ الأهل والتماس الزوجات والأولاد فرقاً من الموت، بل جعلوا ذلك من جملة القربات التي يتقربون بها إلى الله تعالى.

وأما الخوف السلبي من الموت فهو الخوف المَرَضي الذي يقعد صاحبه عن العمل والسعي والاشتغال بما يلزمه أو يستحب له الاشتغال به، ومن ثم فإذا سمع المسلم بحالات الموت المفاجئة -وما أكثرها- فعليه أن يزداد جداً ونشاطاً فيما هو مشتغل به من طاعة الله تعالى، وألا يقعده ذلك عن العمل والتكسب والزواج وإلا كان مخالفاً لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقد قال صلى الله عليه وسلم في بيان أصناف أهل النار: والضعيف الذي لا زبر له الذين هم فيكم تبعاً لا يبتغون أهلا ولا مالا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني