الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إنجاب الأولاد في منظار الإسلام

السؤال

السؤال الأول: أفكر في عدم الإنجاب ـ مطلقا ـ وأخطط لذلك بالزواج من أجنبية تؤيد فكرتي.
والسؤال الثاني: هل يحق لي أن أؤلف كتابا أسميه: لهذا لن أنجب ـ وأذكر فيه جملة من النقاط الفلسفية التي تجمعت في عقلي الباطن والتي دونتها مثل: ننجبهم ليكونوا سعداء، ولكنهم يولدون وهم يبكون ويرحلون مبكياً عليهم؟.
وإذا كان المصير: إما جنة، وإما نار، ونحن في زمن ٍ قتل جميع الأخلاقيات يصبح مجرد التفكير في الإنجاب نوع ٌمن القمار، وأفكار كثيرة لا تزال في مخيلتي، وقد أرسلت هذا السؤال وحصلت فيه مشكلة، والآن عاودت إرساله.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالإسلام يرغب في كثرة النسل، وينظر إليه على أنه من أولى الأسباب التي شرع من أجلها الزواج، يقول الله تعالى فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ {البقرة: 187}.

قال ابن عباس ومجاهد والحكم بن عيينة وعكرمة والحسن والسدي والربيع والضحاك: معناه وابتغوا الولد، يدل عليه أنه عقيب قوله: فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ.

انتهى من تفسير القرطبي.

ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة.

رواه أبو داود.

ومن المعلوم أن حب الأولاد والذرية أمر مركوز في الفطر السوية المستقيمة وقد كان الأنبياء ـ وهم أكرم الخلق ـ يدعون الله سبحانه ويلحون عليه في الدعاء أن يرزقهم بالذرية الصالحة, فلا ينبغي لأحد أن يزهد في هذه النعمة العظيمة التي جعلها الله زينة الحياة الدنيا, مع ما فيها من نفع الإنسان بعد مماته بدعاء ولده الصالح له ثم بشفاعة ولده له إذا ماتوا صغارا في حياته، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من الناس من مسلم يتوفى له ثلاثة لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم.

رواه البخاري وغيره.

ولكن مع هذا إن تراضى الزوجان على عدم الإنجاب فلا حرج في ذلك، كما بيناه في الفتوى رقم: 16855.

لكن بشرط أن لا يتضمن هذا تصرفا يقطع القدرة على الإنجاب أصلا كالاختصاء ونحوه، فإن هذا محرم قطعا كما بيناه في الفتوى رقم: 17553.

أما بخصوص تأليف هذا الكتاب الذي يدعو لترك الإنجاب فهذا لا يجوز، لما فيه من ترغيب الناس عن أمر طيب وتنفيرهم مما ندبهم إليه الدين وهو ابتغاء الولد, هذا بالإضافة إلى أن ما ذكرت من مثل هذه الأمور التي تريد إثباتها فيه أمور غير مستقيمة، فكون الأولاد يأتون الدنيا وهو يبكون ويرحلون عنها والناس يبكونهم سنة من سنن الله في عباده وليس في هذا ما يزهد في الإنجاب بالإضافة إلى أن هذه المفسدة يسيرة إذا ما قورنت بالمصالح الكبيرة التي ترتجى من وراء الولد وكونه عونا لوالديه على أمور الدين والدنيا.

أما بخصوص انتشار الفساد وغلبة الشر في هذا الزمان فهذا حق، ولكن لا ينبغي الإعراض عن الإنجاب بسبب هذا، فإن أمر السعادة والشقاوة والهداية والغواية بيد الله وحده, والشخص إنما يكتب شقيا أو سعيدا وهو جنين في بطن أمه، كما جاء في الحديث الصحيح: إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه ملكا ويؤمر بأربع كلمات ويقال له : اكتب عمله ورزقه وأجله وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح.

متفق عليه.

نعم قد نص بعض أهل العلم على جواز العزل عن المرأة الحرة ولو بغير رضاها عند فساد الزمان والخوف من ولد السوء، ففي حاشية ابن عابدين وفي الفتاوى: إن خاف من الولد السوء في الحرة يسعه العزل بغير رضاها لفساد الزمان فليعتبر مثله من الأعذار مسقطا لإذنها.

وفي مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر: لأن الحرة لا يباح العزل فيها بلا رضاها بالإجماع، وقالوا في زماننا يباح لفساد الزمان.

انتهى.

ولكن ينبغي أن يعول على ما ذكرناه أولًا، فلا يكون الخوف من ولد السوء باعثا على سد باب الإنجاب بالكلية فقد يرزق المرء بأولاد كلهم صالحين، وقد يرزق بالصالح مع غيره, وهذا كله بيد الله وحده.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني