الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

رد المظالم لأصحابها أو استحلهم منها

السؤال

تعاقدت مع مؤسسه للمقاولات هنا في المملكة العربية السعودية وأنا في بلدي قبل أن أقدم إلى المملكة وكان الاتفاق بيني وبين المؤسسة أن تتحمل المؤسسة تكلفة السكن وتكلفة استخراج الإقامة وتكلفة تذكرة السفر بعد انتهاء كل عام وعلى راتب معين، وكان معي عقد موثق من السفارة وموقع من قبلهم ينص على ذلك، فلما أتيت إلى المملكة وقابلتهم ـ لأول مرة ـ قالوا إن هذا العقد ليس لهم علاقة به وليس هم من وقع عليه وأن أشخاصا آخرين هم من زوروا في هذا العقد وغيروا بنوده وأن عقدهم ينص على أن أتحمل أنا تكاليف السكن والإقامة وتذكرة السفر إذا كان السفر بعد عام واحد، أما إذا كان بعد عامين فإنهم يتحملون تكلفتها ووضعوني بين خيارين: إما أن أوافق على عقدهم الجديد هذا، أو أرجع من حيث أتيت أي أرجع إلى بلدي وطبعا كان من الصعب جدا على أن أرجع لبلدي، خاصة وأنني تكلفت حوالي: 7000 آلاف ريال ـ مصاريف لكي آتي إلى هنا: من مكتب وسفارة وتذاكر سفرـ ولذلك قبلت عقدهم ووقعت عليه مرغوما بدون رضا مني، وبعد ذلك استلمت العمل وأصبحت في عهدتي أجهزة خاصة بالمؤسسة وكنت أقوم بالأعمال المطلوبة مني في المؤسسة على أتم وجه وعلى أحسن حال بدون أي تقصير، ولكن في أوقات راحتي أقوم بالخروج والقيام بأعمال لحسابي الخاص دون علم المؤسسة بهذه الأعمال أو أنني أعمل بدون علمها ومعظم هذه الأعمال تكون أعمال صغيرة وسريعة وأستخدم الأجهزة الخاصة بالمؤسسة في إنجاز هذه الأعمال وأستلم المقابل المادي وآخذه لحسابي وفي أوقات أخرى كنت أستأجر أجهزة مثل الأجهزة التي في عهدتي وأنجز الأعمال بها وكانت تكلفة استئجار هذه الأجهزة 300 ريال سعودي لليوم الواحد الكامل، والآن ـ والحمد لله ـ تبت من هذا العمل وندمت علي أنني فعلت مثل هذا العمل وعزمت على أن لا أرجع لمثل هذا العمل مرة أخرى في حياتي، والآن أنا قد جنيت وحصلت على مبالغ مالية نظير هذه الأعمال التي كنت أعملها لحسابي وأريد أن تكون فلوسي حلالا لا توجد بها أي شبهة وأتساءل: ماذا أفعل في هذا المال؟ وهل لأنني استخدمت أجهزة لا تحق لي فكل المبلغ حرام؟ أم لو أنني أخرجت مبلغ تكلفة استئجار الجهاز يكون باقي المبلغ حلالا؟ على الرغم من أن الأجهزة هذه كانت وسيلة مساعدة لإنجاز العمل وهناك جهد بدني كنت أبذله وجهد فكري، وأرغب في حل هذه المشكلة التي تؤرقني، مع العلم أنني أستطيع حساب كل المبالغ التي حصلت عليها مقابل هذه الأعمال ومستعد لفعل أي شيء لكي يكون المال حلالا لا توجد به شبهة، وما هو الوضع بخصوص نقضهم العقد الذي تعاقدت عليه معهم فى بلدي؟ مع العلم أنهم قاموا بزيادة راتبي بعد مرور شهرين من عملي معهم وهذه الزيادة كانت زيادة نظامية لكل العاملين معهم وليس لفرد بعينه دون الآخر، وقاموا بزيادته مرة أخرى بعد مرور عام من العمل معهم وكانت أيضا زيادة نظامية لكل العاملين، وزيادة مرة أخرى بعد مرور عام وشهر من بداية عملي معهم وكانت هذه الزيادة استثنائية لي دون بقية العاملين وذلك تقديرا منهم لجهودي ـ والحمد لله.
وأعطاكم الله من فضله إنه ولي ذلك والقادر عليه.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد ذكر السائل الكريم ـ زاده الله حرصا ـ أنه مستعد لفعل أي شيء ليكون ماله حلالا خالصا لا شبهة فيه، وفي ذلك دليل على صدق توبته، ولم يبق له إلا أن يرد المظالم لأهلها أو يستحلهم منها، فإن كان من الممكن أن تخبر أصحاب الشركة بحقيقة ما حصل وندمك عليه وتوبتك منه ليسامحوك، فهذا يكفيك، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله منها ـ فإنه ليس ثم دينار ولا درهم ـ من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته، فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه. رواه البخاري.

وإن كان لا يستطيع أن يخبرهم فيكفيه ـ إن شاء الله ـ أن يرد إليهم حقهم ولو بدون علمهم، فالمهم أن يصل إليهم حقهم، وهذا الحق عبارة عن قيمة أجرة هذه الأجهزة في المدة التي استغلها السائل في أعماله الخاصة، وقد ذكر في سؤاله أن تكلفة استئجار هذه الأجهزة 300 ريال سعودي لليوم الواحد، وبهذا يمكن حساب ما يستحقه أصحاب الشركة، وراجع ـ في خصوص استعمال أدوات الشركة ـ الفتويين رقم: 48848، ورقم: 26901.

وأما بالنسبة لنقضهم العقد المبرم معهم وأنت في بلدك، وما ترتب عليه من مضرة مالية حقيقية بالنسبة لك فهذا وإن كان ظلما بينا يوجب عليهم في ذمتهم حقوقا نحوك عند الله تعالى إلا أن السائل قد وافق على العقد الجديد معهم وكأنه أسقط ماله من حق عليهم، ولذا فالذي ظهر لنا أنه لا حق له عندهم سوى ما اتفق عليه معهم أخيرا، وعليه نوصي السائل أن يؤدي إليهم حقهم الذي سبق ذكره بغض النظر عن الظلم الذي وقع منهم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني