الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تفضيل الرجال على النساء رؤية شرعية

السؤال

أرجو منكم قراءة هذه الرسالة و بيان إذا كان فيها خطأ شرعي، لأني أريد أن أنصح بها نفسي و من حولي.
عندما قرأت الفتوى رقم 40337، ظللت أفكر فيها طوال اليوم حتى توصلت إلى نتيجة وهي أن المرأة يمكن أن تكون أعلى من الرجل و لكن لا يمكن أن تكون أمامه، تكون أعلى إما بالتقوى أو بالعلم أو بالذكاء، و لكن لا تكون أمام بالولاية والقوامة وهذا له علاقة بأصل الخلقة بين الجنسين ولا يزيده تحصيل أو عمل أو اجتهاد، فلو مثلنا ذلك بمحاور الرياضيات، المحور الرأسي و المحو الأفقي، و وضعنا العلم والتقوى على المحور الرأسي والولاية والقوامة على المستوى الأفقي، قلنا بفتح الباب للجنسين على المستوى الرأسي، ولكن على المستوى الأفقي يقتصر فقط على الذكور. لماذا أقول هذا الكلام؟ لأني منذ الصغر وطوال دراستي في المدارس المختلطة الإجبارية، كان أغلب الطالبات يتفوقن في الجانب العلمي على الطلبة وهو الجانب الرأسي الذي تحدثت عنه، لعدة أسباب منها الذكاء والصبر على التحصيل والخوف الزائد والاهتمام أو لأن الإناث يبلغن قبل الذكور أو لدوافع أخرى، ومن هنا تم إدخال الشبهة لنا وهي أن سبق الإناث في الجانب الرأسي يجعلهن أصلح وأقدر على تحمل مسؤوليات الجانب الأفقي، وهذه الشبهة أدت إلى رجوع الطلبة إلى الوراء في الجانب الأفقي جانب الولاية والقوامة وترك المجال للإناث، واهتزت الثقة و ظهرت اللامبالاة وعدم التحلي بالمسؤولية والاعتقاد بأن الزمان تغير وأنه عصر المرأة، وأيضا أدت هذه الشبهة إلى اغترار الطالبات ودفعتهن إلى البروز والتقدم في الجانب الأفقي محققات بذلك حلم الإناث القديم في الحكم والولاية، مفتونات بالتيار العام الجارف وتحطم الحواجز أمام هذا التيار بسهولة شديدة، وهذا أعطاهن دافعا قويا على زيادة التعليم والتحصيل العلمي والارتقاء في الجانب الرأسي والزيادة بأقصى ما يمكن، ذلك تحت معادلة كلما ازددت تحصيلا في الجانب الرأسي كلما فتحت لك أبوابا في الجانب الأفقي. نتيجة لانشغالي بهذا الموضوع و مراقبته عن كثب وقراءة الفتاوى الشرعية بهذا الخصوص لاحظت أنه:
1. إذا أغلق الباب في الجانب الرأسي على الإناث، بحجة قطع الطريق عليهن في الجانب الأفقي، تصبح الأنثى جاهلة وثقيلة على الرجل في تحمل أعباء الدين والدنيا و فيه ظلم واضح وهذا مشاهد.
2. إذا فتح الباب في الجانب الأفقي على الإناث، بحجة التطور واعتقاد العدل في ذلك، في جانب الولاية أصيبت الجماعة بعدم الفلاح كما ورد في الحديث الصحيح و هذا شاهدته بأم عيني، وفي جانب القوامة ظلم للأنثى باعتبار تفضيل الله للذكر في هذا الجانب من حيث الخلقة.
3. أن الشبهة معتمدة أساسا على خلط الناس بين المستوى الرأسي والمستوى الأفقي واعتقادهم أنهما يسيران في نفس الاتجاه، حتى إذا قام بعض المصلحين بالكلام عن ولاية المرأة ارتبط في الأذهان بشكل سريع أن الداعي يدعو إلى وقف تعليم المرأة أو حرمانها من حقها في العلم والرقي أو طمس قدراتها الطبيعية والعقلية، وتكون الإجابة السريعة المعروفة أليست المرأة نفس أليس لها حق في التعلم والتعبير وإبداء الرأي وإعطاء المشورة والتقوى والصلاح؟
4. تركيز الدعاة و المصلحين والآباء والإخوة في البيوت فقط على الدعوة والعمل على إغلاق الطريق الأفقي على المرأة، ثم التوقف، وعدم بذلهم نفس الجهد على فتح الطريق الرأسي لها، مما جعل الباب مفتوحا على مصراعيه لأصحاب هذه الشبهة لاستغلال نقطة الضعف هذه وبذل الجهد في تيسير التعليم وتشجيع المرأة على التحصيل العلمي و إعطائها حقها المفقود أو المتجاهل عنه أو الغير مهتم به، لاستدراجها شيئا فشيئا للتقدم في الجانب الأفقي، وسلاحهم في ذلك التلبيس وخلط الناس بين المستويين.
5. الاعتقاد بأن تنمية المرأة في الجانب الرأسي هو أمر ثانوي أو غير أساسي أو أنه غير ذي أولوية في المعركة، في حين أن الاهتمام بهذا الجانب له أهمية رص وتهيئة وتأمين الصفوف الخلفية حتى لا يؤتى المسلمين منها وبالتالي الانشغال بتهيئة الصفوف الأمامية للرجال والتفرغ للتصدي للأعداء.
6. اعتقاد الرجل أنه أفضل في الجانب الأفقي يمنعه من تلقي العلم والمشورة من المرأة وهي من خصائص الجانب الرأسي و قد يجعله حساسا في هذا الموضوع وقد يحرم نفسه من خير، أو قد يشعر بالصغر أو أن رجولته قد خدشت، وقد يدفعه في أسوأ الأحوال إلى بطر الحق، وغمط المرأة كبرا.
الأسئلة:
- إذا فهم و التزم كل من الذكور و الإناث مكانه في الجانب الأفقي، فهل يجوز التنافس بينهم في الجانب الرأسي فقط كبين الإخوة والأخوات أو الزوج و الزوجة أو الأم و الابن؟
- هل يكون التمايز في الجانب الرأسي مقياسا لتقدم الرجال فيما بينهم في الأفضلية و التصدر للولاية والقوامة أم أن هناك عوامل أخرى؟
- ما المقصود بالجنس المذكور في عنوان الفتوى؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فتصورك أيها السائل صحيح في الجملة، ووجود كثير من النساء اللاتي يتفوقن على كثير من الرجال في جانب التدين والعلم والمثابرة ونحو ذلك أمر لا ينكر، ولكنه لا يتنافى مع ما تقرر من أن جنس الرجال أفضل من جنس النساء لأننا نقول أن تفضيل نوع الرجال على نوع النساء ليس المراد منه تفضيل جميع أفراد الرجال على جميع أفراد النساء، فكم من امرأة أفضل من زوجها ولكن المقصود أنهم أفضل في الجملة، وسبب التفضيل:

أن الله قد أختص الرجال ببعض الصفات التي لم تعطها النساء مثل القوة البدنية، وقوة التحمل، والجلد على القيام بالأمور وتدبير الأحوال وعدم الجزع، وتمام العقل عند ورود المشاكل والثبات عند الملمات.

وقد ترتب على هذه الصفات أن خصهم الله بتكاليف لم يكلفها النساء، مثل اختصاصهم بالنبوة والإمامة العظمى والصغرى، ومنصب القضاء والجهاد، وخطبة الجمعة والأذان والشهادة في الحدود وغير ذلك مما يستدعي تدبير الأمور والبروز للناس وتصديق ذلك في قول الله سبحانه: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ. {البقرة:228}.

ولا يعني أيضا أن الرجال يستحقون الدرجات والمنزلة عند الله سبحانه لمجرد الذكورة كلا، فإن المنزلة عند الله سبحانه لا تنال إلا بالتقوى والعمل الصالح ورب امرأة واحدة تقية قانتة صالحة خير من ملء الأرض من الرجال العاصين المضيعين لأوامر الله سبحانه.

وأما باب التنافس في أعمال البر والخير وما يوصل إلى الله سبحانه فهو مفتوح على مصراعيه لجميع الناس ذكورهم وإناثهم على وفق ما شرعه الله، قال سبحانه: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ. {المطففين:26}.

يقول السعدي رحمه الله: (وفي ذلك) النعيم المقيم الذي لا يعلمه حسنه ومقداره إلا الله (فليتافس المتنافسون) أي يتسابقوا في المبادرة إليه بالأعمال الموصلة إليه، فهذا أولى ما بذلت فيه نفائس الأنفاس، وأحرى ما تزاحمت للوصول إليه فحول الرجال. انتهى.

وأما تقدم الرجال بعضهم على بعض في الأفضلية والولاية، فنقول: أما الأفضلية فإنها تنال عند الله سبحانه بالتقوى والعمل الصالح قال سبحانه: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ. {الحجرات:13}.

وقال صلى الله عليه وسلم : ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى إن أكرمكم عند الله أتقاكم. ويقول: من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه. رواه مسلم.

وأما تقديمهم في الولاية فقد ذكر العلماء شروط الولاية وفصلوا القول في كتبهم وليس هذا مجال ذكرها ولكن يمكنك مراجعتها في كتب الأحكام السلطانية والسياسة الشرعية ككتاب " غياث الأمم" لإمام الحرمين و"والأحكام السلطانية" للماوردي.

وأما القوامة على النساء فقد ذكر سبحانه موجباتها بقوله: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ. {النساء:34}. فجعل الله سبحانه القوامة ثابتة للرجل بأمرين:

الأول: ما وهبه الله من صفات التفضيل والتي سبق بيانها

والثاني: بإنفاقه على المرأة من بذل المهر وسائر النفقات والحقوق التي أوجبها الله عليه لها في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولذلك إذا أعسر الرجل بالنفقة جاز للمرأة الفسخ على الراجح لخروج النكاح عن مقصوده.

جاء في تفسير الألوسي لهذه الآية: واستدل بها أيضا من أجاز فسخ النكاح عند الإعسار عن النفقة والكسوة وهو مذهب مالك والشافعي لأنه إذا خرج عن كونه قواما عليها، فقد خرج عن الغرض المقصود بالنكاح. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني