الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مذاهب العلماء في عدد رواتب الصلاة وحكم قضائها

السؤال

لقد سمعت في إحدى الخطب أن سنن الصلاة لها أكثر من رواية وهي10 ركعات و12 ركعة و 14 ركعة
فما صحة هذه الرواية؟ وإن كانت صحيحة فما توزيع صلوات السنن بعد كل صلاة مفروضة؟
وسمعت أيضا أنه يمكن قضاء سنن صلاة الظهر بعد صلاة العصر، فهل هذا صحيح؟ وهل يمكنني تأخير صلاة سنة الظهر بدون عذر لبعد صلاة العصر؟
وهل يمكن في حالة عدم لحاقي بصلاة الفجر وبالتالي عدم قدرتي على صلاة سنة الفجر أن أصلي السنة بعد صلاة الصبح ؟
فما هو الصحيح مما سبق أفيدونا وأفادكم الله بعلمه؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد اختلف العلماء في عد رواتب الصلوات بناء على اختلاف الأحاديث، فمنهم من رأى أنها عشر ركعات ركعتان قبل الظهر وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الصبح، وهو المعتمد عند الحنابلة، ومنهم من رأى أن السنة قبل الظهر أربع ركعات فيكون المجموع ثنتي عشرة ركعة وهو قول الشافعي، كما عزاه إليه ابن قدامة في المغني، ومنهم من رأى أنه يصلي قبل العصر أربعا مع العشر المذكورة أولا فيكون المجموع أربع عشرة ركعة وهو قول أبي الخطاب من الحنابلة، وقيل بل السنة مع هذا أربع بعد الظهر فيكون المجموع ثماني عشرة ركعة، وكل ذلك من السنن الرواتب وبعضها آكد من بعض، فلا ينبغي أن ينقص عن الركعات العشر الواردة في حديث ابن عمر، ولو صلى ثنتي عشرة لكان زيادة خير: ففي صحيح مسلم عن أم حبيبة أنه صلى الله عليه وسلم قال: من صلى لله في يوم ثنتي عشرة ركعة بني له بيت في الجنة. وجاء عد هذه الركعات في رواية الترمذي وأنها أربع قبل الظهر وسائرها كما في حديث ابن عمر ويأتي، ثم إن من زاد على ذلك فهي زيادة خير، والصلاة خير موضوع فمن استطاع أن يستكثر فليستكثر كما روي عنه صلى الله عليه وسلم.

قال الخطيب الشربيني في مغني المحتاج: فمنه -أي التطوع- الرواتب وهي على المشهور التي مع الفرائض وقيل هي ما له وقت، والحكمة فيها تكميل ما نقص من الفرائض بنقص نحو خشوع كترك تدبر قراءة، وهي ركعتان قبل الصبح وركعتان قبل الظهر وكذا بعدها وبعد المغرب والعشاء لخبر الصحيحين عن ابن عمر قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين بعد الجمعة. وفي بعض طرقه عن ابن عمر: وحدثتني أختي حفصة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين خفيفتين بعد ما يطلع الفجر. وقيل من الرواتب أربع قبل الظهر للاتباع. رواه مسلم -أي حديث أم حبيبة المتقدم - وقيل وأربع بعدها لحديث: من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله على النار. رواه الترمذي وصححه، وقيل وأربع قبل العصر لخبر ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قال: رحم الله امرءا صلى قبل العصر أربعا. رواه ابنا خزيمة وحبان وصححاه، والجميع سنة راتبة قطعا لورود ذلك في الأحاديث الصحيحة. انتهى.

فهذا عن عدد السنن الرواتب وبيان محلها من الفرائض.

وأما عن قضاء السنن الرواتب فإن الراجح أن من فاتته سنة من هذه السنن سواء سنة الصبح أو سنة الظهر أو غيرهما فإنه يقضيها، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى سنة الظهر بعد العصر، وأقر على قضاء سنة الصبح بعدها، وقضى سنة الصبح مع الفريضة.

قال ابن القيم رحمه الله: وفيها أن السنن الرواتب تقضى كما تقضى الفرائض، وقد قضى رسول الله سنة الفجر معها، وقضى سنة الظهر وحدها وكان هديه قضاء السنن الرواتب مع الفرائض. انتهى.

والقائلون بمشروعية قضاء الرواتب لا يفرقون بين من تركها عمدا أو نسيانا، فيشرع قضاء السنن لكل من تركها، ولكن تعمد تركها حتى يفوت وقتها مما لا ينبغي، وهو يفوت على صاحبه الأجر الكامل، فليس فعل السنة أداء كفعلها قضاءا، ومن العلماء من يرى أن من تعمد تفويت السنة حتى خرج وقتها فإنه لا يقضيها لأنه هو الذي تسبب في حرمان نفسه من الفضل.

قال ابن رجب رحمه الله: العامد بخلاف ذلك ، وهذا متوجه، فإن العامد قد رغب عن هذه السنة، وفوَّتها في وقتها عمداً، فلا سبيل له بعد ذلك إلى استدراكها، بخلاف النائم والناسي. انتهى.

وبه يتبين لك جواب ما سألت عنه وأنه لا ينبغي تعمد تفويت السنة حتى يفوت وقتها، وأن من فاتته السنة الراتبة شرع له قضاؤها، ومن فاتته رغيبة الفجر فإنه يقضيها إن شاء بعد صلاة الفجر وإن شاء بعد طلوع الشمس وهو أولى.

قال ابن قدامة رحمه الله: فأما قضاء سنة الفجر بعدها فجائز إلا أن أحمد اختار أن يقضيهما من الضحى وقال إن صلاهما بعد الفجر أجزأ وأما أنا فأختار ذلك، وقال عطاء وابن جريج والشافعي: يقضيهما بعدها لما روي عن قيس بن فهد قال: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أصلي ركعتي الفجر بعد صلاة الفجر فقال ما هاتان الركعتان يا قيس؟ قلت: يا رسول الله لم أكن صليت ركعتي الفجر فهما هاتان. رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي. وسكوت النبي صلى الله عليه وسلم يدل على الجواز، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى سنة الظهر بعد العصر وهذه في معناها، ولأنها صلاة ذات سبب فأشبهت ركعتي الطواف، وقال أصحاب الرأي: لا يجوز لعموم النهي ولما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لم يصل ركعتي الفجر فليصلهما بعدما تطلع الشمس، رواه الترمذي. وهذا يحتمل النهي وإذا كان الأمر هكذا كان تأخيرها إلى وقت الضحى أحسن لنخرج من الخلاف ولا نخالف عموم الحديث، وإن فعلها فهو جائز لأن هذا الخبر لا يقصر عن الدلالة على الجواز. انتهى باختصار.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني