الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مراتب الناس عند حلول البلاء

السؤال

سؤالي: الحمد لله على قضائه وقدره حيث إنه ابتلاني من صغري بأن فقدت النظر في عيني اليمين، وأصابني مرض في عيني اليسار مما دعاني لاستخدام نظارة سميكة وذات منظر ملفت، فأصبحت مصدرا للسخرية من مجموعة من زملائي الطلاب من بداية دخولي للمدرسة، وكان ذلك يسبب لي الألم والحزن. فهل لي أجر على سخريتهم مني رغم سخطي وعدم رضاي بما كتبه الله لي حينها، ولكن حينما كبرت وبلغت الخامسة والعشرين من عمري فهمت أنه قضاء الله وقدره وأني صابر على ما كتبه لي. فهل اُعد من الصابرين ولي أجر الصابرين؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنبشرك بأن لك أجرا إن شاء الله على ما تعرضت له من سخرية وأذى، بالرغم مما كنت تجده في نفسك من التسخط، فإن أجر المصيبة يحصل بمجرد وقوعها على الراجح من أقوال أهل العلم، وأما أجر الصبر وأجر الرضا فذلك شيء زائد على أجر المصيبة. وانظر الفتوى رقم: 32418.

واعلم أن الناس إذا أصيبوا ببلاء فلهم فيه مراتب متفاوتة.

يقول ابن القيم رحمه الله في معرض كلامه عن السائرين إلى الله: فإذا وردت عليهم أقداره التي تصيبهم بغير اختيارهم قابلوها بمقتضاها من العبودية، وهم فيها على مراتب ثلاثة: إحداها: الرضا عنه فيها والمزيد من حبه والشوق إليه وهذا نشأ من مشاهدتهم للطفه فيها وبره وإحسانه العاجل والآجل، ومن مشاهدتهم حكمته فيها ونصبها سببا لمصالحهم وشوقهم بها إلى حبه ورضوانه، ولهم من ذلك مشاهد أخر لا تسعها العبارة وهي فتح من الله على العبد لا يبلغه علمه ولا عمله. المرتبة الثانية: شكره عليها كشكره على النعم وهذا فوق الرضا عنه بها ومنه ينتقل إلى هذه المرتبة. فهذه مرتبتان لأهل هذا الشأن. والثالثة: للمقتصدين وهي مرتبة الصبر التي إذا نزل منها نزل إلى نقصان الإيمان وفواته من التسخط والتشكي واستبطاء الفرج واليأس من الروح والجزع الذي لا يفيد إلا فوات الأجر وتضاعف المصيبة. انتهى. طريق الهجرتين.

ومما سبق يتضح أن الإنسان عند نزول المصيبة إما أن يتسخط بجوارحه أو بقلبه على ربه، فهذا آثم. وإما أن يصبر ويحتسب مع كراهته لما حصل، فهذا قام بالواجب، وله أجر الصابرين. وإما أن يرضى، وهذه حالة أكمل من الصبر، فالصابر ساخط للبلاء؛ لكنه صابر، والراضي متساوٍ عنده الأمران بالنسبة لقضاء الله عز وجل. وإما أن يشكر الله على المصيبة حيث عجل له عقوبة ذنوبه لتكون في الدنيا، وذلك أهون من كونها في الآخرة، ثم يشكر الله على أنه إذا رضي وصبر كانت خيراً له، فيشكر الله على ذلك. وهذه أعلى المراتب. وعلى ذلك، فمجرد التسخط الداخلي على المقدور لا ينافي الصبر ما لم يظهر ذلك على فلتات اللسان وأفعال الجوارح، وإنما ينافي الرضا الذي هو أعلى منزلة من الصبر.

وأما إن كان قد وقع منك ما ينافي الصبر فلا شك أن أكمل الصبر ما كان عند الصدمة الأولى؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إنما الصبر عند الصدمة الأولى. متفق عليه.

قال النووي -رحمه الله- : "معناه الصبر الكامل الذي يترتب على الأجر الجزيل لكثرة المشقة فيه.

وعلى هذا، فقد فاتك أجر الصبر الكامل، ونرجو من الله تبارك وتعالى ألا يحرمك من أجر الصابرين الآن. وانظر للفائدة الفتوى رقم: 61485.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني