الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قال إن أظهرت عيونك فأنت طالق طالق طالق ومحرمة علي ولا رجعة لك

السؤال

كنت أنا وزوجتي في السيارة وهي ترتدي النقاب، ولقد حلفت بالله عز وجل وأنا غضبان وقلت لها لو بعد هذه المرة أظهرت عيونك فأنت طالق طالق طالق ومحرمة علي وليس لك رجعة، وحلفت بالله أكثر من خمس مرات وكنت غضبان من فعلها وارتدائها النقاب.. وهي مازالت ترتدي النقاب هل يا شيخ تعتبر هي طالقا؟ فما الحكم في هذا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن كان غضبك وقت تعليقك الطلاق شديدا بحيث كنت لا تعي ما تقول فلا شيء عليك لارتفاع التكليف حينئذ عنك كما تقدم في الفتوى رقم: 35727.

أما إن كنت غضبان لكنك تعي ما تقول ولم تظهر زوجتك عيونها فلا شيء عليك، وإن أظهرتهما فجواب ذلك على النحو التالي:

1ـ قولك: أنت طالق طالق طالق إذا فعلت كذا يقع به الطلاق عند جمهور العلماء إذا أظهرت الزوجة عيونها بعد تلك المرة، لكن يقع به طلقة واحدة إذا كنت قصدت بتكرير لفظ الطلاق التأكيد أو لم تقصد بالتكرار شيئا، ومعني قصد التأكيد أن تنوي إنشاء الطلاق بالعبارة الأولى فقط وتجعل ما بعدها تأكيدا لها.

وإن كنت قصدت إنشاء الطلاق بكل عبارة من العبارات الثلاث لزمتك ثلاث طلقات عند الجمهور، وخالف في هذا كله شيخ الإسلام ابن تيمية فقال تلزمك كفارة يمين إن كنت قصدت التهديد أي قصدت منعها من ذلك الفعل ولم تقصد وقوع الطلاق عند حصول ذلك الفعل.

أما إن كنت قصدت وقوع الطلاق عند حصول الفعل فقد وقعت طلقة واحدة عند ابن تيمية سواء قصدت بتكرير لفظ الطلاق التأكيد أم التأسيس. وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 19162، 110036، 5584.

وفي حالة قصد التأسيس فمذهب الجمهور وهو الراجح أنها قد حرمت عليك حتى تنكح زوجا غيرك. قال ابن قدامة في المغني: فإن قال: أنت طالق طالق طالق، وقال: أردت التوكيد قبل منه، لأن الكلام يكرر للتوكيد، كقوله عليه السلام: فنكاحها باطل باطل باطل. وإن قصد الإيقاع، وكرر الطلقات، طلقت ثلاثاً، وإن لم ينو شيئاً، لم يقع إلا واحدة، لأنه لم يأت بينها بحرف يقتضي المغايرة فلا يكن متغايرات. انتهى.

2ـ قولك محرمة لا تخلو من أن تكون قد قصدت به الطلاق أو الظهار أو اليمين أو لم تقصد شيئا. قال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ في الشرح الممتع: فصار الذي يقول لزوجته أنت علي حرام له أربع حالات:

الأولى: أن ينوي الظهار.

الثانية: أن ينوي الطلاق.

الثالثة: أن ينوي اليمين.

الرابعة: أن لا ينوي شيئاً.

فإذا نوى الظهار فظهار، أو الطلاق فالطلاق، أو اليمين فيمين، والعمدة عندنا قول النبي صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى.

فإذا لم ينو شيئاً صار يميناً، والدليل قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ* قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ. انتهى.

فإن قصدت الطلاق أو الظهار وسبق ذلك ثلاث طلقات فلا شيء عليك لانقطاع العصمة، وإن سبقه أقل من ثلاث وقصدت الطلاق فهو نافذ، وإن قصدت الظهار فعليك كفارة ظهار، وقد تقدم بيانها في الفتوى رقم: 192.

وإن قصدتَّ اليمين أو لم تقصد شيئا لزمتك كفارة يمين سواء كان الطلاق المتقدم ثلاثا أو أقل. وكفارة اليمين تقدم بيانها في الفتوى رقم: 107238.

3ـ عبارة : ليس لك رجعة إن سبقته ثلاث طلقات فهو لغو لوقوعه بعد انقطاع العصمة، وإن سبقه أقل منها فيترتب عليه ثلاث طلقات عند الحنابلة إذا كانت الزوجة مدخولا بها، وقال الحنفية يكون الطلاق قبله رجعيا لكونه وصفا للطلاق قبله قال ابن قدامة في المغني: وإن قال: أنت طالق لا رجعة لي عليك. وهي مدخول بها , فهي ثلاث . قال أحمد : إذا قال لامرأته : أنت طالق لا رجعة فيها , ولا مثنوية . هذه مثل الخلية والبرية ثلاثا , هكذا هو عندي . وهذا قول أبي حنيفة , وإن قال : ولا رجعة لي فيها . بالواو , فكذلك . وقال أصحاب أبي حنيفة : تكون رجعية ; لأنه لم يصف الطلقة بذلك , وإنما عطف عليها . ولنا , أن الصفة تصح مع العطف , كما لو قال : بعتك بعشرة وهي مغربية صح , وكان صفة للثمن. انتهى

وفى المبسوط للسرخسي: ولو صرح به فقال أنت طالق ولا رجعة لي عليك لم يسقط حق الرجعة فهنا أولى. انتهى

4ـ لا كفارة عليك فيما ذكرته من الحلف بالله إذا كان لتأكيد تعليق الطلاق أو التحريم، لعدم الحنث حينئذ لأن الطلاق والتحريم قد وقعا عند فعل المحلوف عليه وهو القول الراجح إلا أن تكون حلفت على أنها لا تلبس النقاب مطلقا، ففي هذه الحالة تلزمك كفارة واحدة عند جمهور أهل العلم كما تقدم في الفتوى رقم: 11229.

وفي حال وقوع أقل من ثلاث طلقات بأن قصدت بتكرير الطلاق التأكيد ولم تقصد بالتحريم طلاقا فلك مراجعتها قبل تمام عدتها والتي تنتهي بطهرها من الحيضة الثالثة بعد الطلاق، أو مضي ثلاثة أشهر إن كانت لا تحيض، أو وضع حملها إن كانت حاملا، وما تحصل به الرجعة قد تقدم بيانه في الفتوى رقم:30719.

وإن انقضت عدتها، فلا بد من تجديد عقد النكاح بأركانه.

وتجدر الإشارة إلى أنه يجوز لزوجتك لبس النقاب مع إظهار عينيها إذا لم تترتب على إظهارهما فتنة، فقد جاء في تفسير القرطبي في قول الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا. الآية :

وقال ابن عباس أيضاً وقتادة : ذلك أن تلويه فوق الجبين وتشده ، ثم تعطفه على الأنف ، وإن ظهرت عيناها لكنه يستر الصدر ومعظم الوجه. انتهى

فإن خيفت الفتنة بإظهار العينين وجب سترهما، والأولى كون ذلك بساتر خفيف تمكن معه الرؤية كما تقدم تفصيله في الفتوى رقم: 21690.

وقد علمت ما في المسألة من تشعب واحتمالات فلأجل ذلك ننصحك برفع الأمر لمحكمة شرعية للنظر في تفاصيل المسألة أو مشافهة أهل العلم فيها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني