الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وزع أرضه على أبنائه وأحفاده وحرم بناته

السؤال

ما قولكم في رجل له عدة أبناء وبنات، قتل واحد من أبنائه في حياته، وله أولاد.
وقد أراد هذا الرجل أن يقسم أملاكه في حياته على أبنائه دون بناته، فأمر بعض أبنائه بأن يوزعوا الأرض على جميع الأبناء ويحسبوا الابن المقتول كواحد منهم، بحيث تكون هذه الحصة للأحفاد أولاد المقتول.
وقد مات هذا الرجل صاحب الأملاك، والآن يريد أبناؤه أن يصححوا القسمة وفق الشريعة، ويعطوا أخواتهم حصصهن الشرعية التي حُرمن منها وفق قسمة أبيهم.
والسؤال هنا: كيف يصححون القسمة؟ وهل لهم الحق في أن يستعيدوا الآن جزءا من الأرض التي منحها والدهم لأحفاده حتى تكون القسمة بالعدل وتعطى البنات الحصص المستحقة لهن، أو هذه الأرض صارت ملكا لهم صرفا، ولا يحق لهم أن يطالبوهم بأي جزء منها نظرا إلى أن والدهم قد أعطاها في حياته لأحفاده، وأن العدل في العطية غير واجب بين الأبناء والأحفاد؟ أو لهم الحق في المطالبة لأن والدهم كان قد قال لهم: اجعلوا الابن الميت كواحد منكم في القسمة؟ لكن هذه القسمة قد تمت في حياته، فهل يسري قوله هذا إلى ما بعد الوفاة وبعد القسمة التي جرت في حياته. علما بأن هذا الإشكال قد ظهر بعد أن ظهر الغلاء في قيمة الأراضي.
وكل الورثة في انتظار الجواب.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا شك أن ما أقدم عليه الأب من هبة الأرض لأبنائه دون بناته بقصد حرمان البنات يعتبر جورا في العطية ومن عادات أهل الجاهلية، ومخالفا لما أمر الله به من العدل في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ... {النحل: 90}, ولما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : ... فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ ... اهـ

وقد ذهب جماعة من المحققين من أهل العلم أن الأب إذا لم يعدل بين أولاده في العطية فإن العطية باطلة وترد في حياته وبعد مماته، وهذا هو المفتى به عندنا كما في الفتاوى: 101286, 103527, 6242. ولفظ الأولاد في الحديث يدخل فيه الأحفاد أيضا كما دخلوا في قوله تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ .. {النساء: 11}.

فيجب أن يعدل في عطيته للأحفاد ولو مع وجود الأولاد المباشرين.

جاء في تحفة المحتاج: ... الْعَدْلُ فِي عَطِيَّةِ أَوْلَادِهِ أَيْ فُرُوعِهِ وَإِنْ سَفَلُوا وَلَوْ الْأَحْفَادَ مَعَ وُجُودِ الْأَوْلَادِ عَلَى الْأَوْجَهِ وِفَاقًا لِغَيْرِ وَاحِدٍ وَخِلَافًا لِمَنْ خَصَّصَ الْأَوْلَا،دَ سَوَاءٌ أَكَانَتْ تِلْكَ الْعَطِيَّةُ هِبَةً أَمْ هَدِيَّةً أَمْ صَدَقَةً أَمْ وَقْفًا أَمْ تَبَرُّعًا آخَرَ، فَإِنْ لَمْ يَعْدِلْ لِغَيْرِ عُذْرٍ كُرِهَ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ جَمْعٌ يَحْرُمُ ... اهـ.

وعليه فللبنات الحق في المطالبة بحقهن في الميراث من الأرض بما فيها الجزء الذي أعطاه الأب لأحفاده بقصد حرمان البنات.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني