الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

هل الغيبة لا تكون في حق الفاسق؟ ومن هو الفاسق؟ وكيف يحكم عليه بهذا الحكم؟ وهل المداومة على الصغائر تعتبر فسقا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالفاسق كما عرفه أهل العلم هو: كل من ارتكب كبيرة ولم يتب منها، أو أصر وداوم على فعل صغيرة. ولك أن تراجع في هذا مغني المحتاج للشربيني، والزواجر لابن حجر الهيتمي وغيرهما.

واما الكلام عن غيبته فإن الله سبحانه وتعالى حرم الغيبة في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً {الحجرات: 12}

وقال صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت. رواه الشيخان عن أبي بكر رضي الله عنه.

وهذا الحكم يشمل الطائع والفاسق إلا اذا كانت هناك مصلحة معتبرة شرعا، فتجوز غيبة الفاسق بقدر المصلحة، وبنية تحقيق المصلحة لا للتشفي بتنقصه، ويدخل في هذا التحذير منه والتشهير به إن كان ذلك يردعه عن التمادي في المعاصي. وأما فيما سوى ذلك فإن الأصل فيمن اطلع على المنكر أن يقوم بالإنكار على فاعله مع الستر عليه وعدم التشهير به، لما ورد في قصة ماعز رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: قال لرجل من أسلم يقال له هزال: يا هزال لو سترته بردائك لكان خيراً لك. رواه مالك في الموطأ مرسلاً، والنسائي في السنن الكبرى، والطبراني في الكبير.
هذا فيمن لم يكن مجاهراً بالمعصية، أما من كان مجاهراً بالمعصية فإنه يجوز التشهير به لعله يرتدع. قال الحافظ في الفتح: وقد ذكر النووي أن من جاهر بفسقه أو بدعته جاز ذكره بما جاهر به دون ما لم يجاهر به.
ونقل أيضاً عن ابن العربي وهو يتحدث عن الستر على النفس قوله: هذا كله في غير المجاهر، فأما إذا كان متظاهراً بالفاحشة مجاهراً، فإني أحب مكاشفته والتبريح به لينزجر هو وغيره. هـ

وقال النووي في شرح صحيح مسلم عند الكلام على حديث بئس رجل العشيرة : وفي هذا الحديث مداراة من يتقي فحشه، وجواز غيبة الفاسق المعلن فسقه، ومن يحتاج الناس إلى التحذير منه. هـ

وفي أسنى المطالب في شرح روض الطالب : وتباح الغيبة للتحذير من فسق أو ابتداع خاطب ومخطوبة ووال بأن يبين لمن له عليه ولاية، وراوي علم بأن يبين للآخذ عنه، وفي معناه الشاهد، وصرح به الروضة، وللتحذير من عيب خاطب ومخطوبة ومشترى بفتح الراء، وتباح الغيبة باللقب لتعريف كالأعمش والأعرج إن كان معروفا به، ولو أمكن التعريف بغيره كان أولى، والشكوى أي وتباح الغيبة لأجل شكوى ظالم عند منصف له كأن يقول له ظلمني فلان وفعل بي كذا، وتباح الغيبة لفاسق أي لأجل فسقه عند من يمنعه كأن يقول له فلان يعمل كذا فازجره عنه، وعند مفت كأن يقول له ظلمني فلان فهل له ذلك وما طريقي في خلاصي منه، والأحوط أن يقول: ما تقول في رجل كان من أمره كذا؟ وكل ذلك للنصيحة والتحذير لا لإيذاء، لقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس رضي الله عنها لما أخبرته أن معاوية وأبا جهم خطباها: أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، انكحي أسامة بن زيد رواه مسلم .... ومن تجاهر بمعصية كشرب خمر ومصادرة الناس وجباية الأموال ظلما ذكر بها فقط أي لا بغيرها إلا أن يوجد لجواز ذكره سبب آخر. قال ابن العماد بعد قولهم ذكر بها قال الغزالي في الإحياء: إلا أن يكون المتجاهر بها عالما يقتدى به فيمتنع غيبته لأن الناس إذا اطلعوا على زلته تساهلوا في ارتكاب الذنب. هـ

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني