الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مقابلة السيئة بالحسنة مما يجلب المودة

السؤال

أود معرفة حكم الشرع في هذا الأمر، أنا امرأة متزوجة حديثا، وفي انتظار مولود، مشكلتي مع أختي الكبرى، هي غير متزوجة، ولكن منذ أن كنت صغيرة وأنا وهي لا نتآلف لسبب لا أعرفه، ربما تحمل علي غلا من أيام الطفولة، لقد كنت شقية، ولكني لا أتذكر ماذا فعلت ليجعلها كل يوم يزيد كرهها وحقدها لي، ولا أحد يصدقني حين أقول له ذلك، وخاصة والديّ، فهما يداريان خاطرها بحكم أنها الكبرى، وأنها كانت في فترة تصارع مرضا ولكنها تعافت منه ولله الحمد، وعندما يحدث يبني وبين والدتي خلاف أراها لا تزيد الخلاف إلا نارا، وعندما أتسامح مع والدتي، أمي تنسى ولكن أختي تظل تتذكر كل صغيرة وكبيرة فعلتها وأغضبت والدتي، وحين يشب خلاف في أي موضوع في العائلة أراها تسترجع أمورا كنا قد نسيناها وماضيا تسامحنا فيه، انظر لأي درجة تملك في قلبها هذا الحقد، وفي كل مرة والله يشهد على ما أقول كنت أراضيها وأسعى جاهدة لأثبت لها أنني أستحق أن أعامل بطريقة أفضل ، وأنني نعم الأخت لها، ولكن لا من مجيب، وآخر مرة جاءتني وتشاجرت معي على أمر تافه، وعندما كنت أرد عليها بحكم عدم قدرتي على السيطرة على أعصابي لأني حامل، لم أرها إلا أنها شتمتني وشتمت زوجي وأم زوجي وأمام ناظري وسماع والدي وإخوتي ، ولم يفعلوا لها شيئا، وصفعتني لأن والدي صفعها حين سمع صراخها، ولم أفعل شيئا، فاتصلت بي والدتي اليوم الثاني لتطمئن إن علم زوجي بالأمر فأخبرتها أني أعلمته، وكان سببا ليتعلق بي أكثر ويحبني أكثر ، لم تمض الدقائق إلا أراها تبعث لي برسائل نصية تعيرني بزوجي وتتهمني بأنني أخوفها به، ولم أقل كلمة، وكانت هذه المرة الثانية التي تهين فيها زوجي، وبعدها بفترة قصيرة زرت والدتي وكنت أتحدث حديثا عاديا، وهم الذين أقنعوني أنها نادمة، ولكني كنت أتجنبها ، فجأة أراها تتحدث عني بطريقة سيئة وتتهمني بأنني أسيء إليها ، والكل يعلم أنني لم أتكلم عنها وقتها، وعندما قلت لوالدتي سأذهب قبل أن أحصل على صفعة أخرى ليسألني زوجي عن ما حدث معي، أراها بدأت تسبه وتصفه بعدم الرجولة.. ولأكثر من مرة، ولم أجد ردودا من أمي وأبي وأخي إلا (ابتعدي عنها.. لا تجلسي معها في مكان واحد.. لا تتحدثي عند حضورها) وهذا الأمر استشاطني غيظا وقهرا، فلم أجد من يرد لي كرامتي وكرامة زوجي أو يوقفها عند حدها، فقررت أن أقاطعها للأبد، ولن أزور والدي طالما هي تعيش هناك، وسأكتفي بالسؤال عنهما عن طريق الهاتف، وبيتي مفتوح لهما في أي وقت، ولن اذهب لأي مكان هي فيه حتى فرح أخي لأنها ستكون هناك. هم من قالوا لي أن أبتعد، بدلا من أن يعقلوها ويؤدبوها لأنها تعدت على حقوقي وسبت رجلا لم يضرها يوما، اكتفوا أن يحدثوها بالكلام الحسن، ولكنهم أكثر علما مني بأن الكلام الحسن لا ينفع معها أبدا طالما هذا الحقد في قلبها،20 سنة لم أجد فيها سببا واحدا يجعل قلبي يحن عليها، في كل مرة أسامحها على أمل أن أجدها مقدرة ، ولكن لا حياة لمن تنادي، تعبت في كل مرة أطلب رضاها وأنسى الماضي، وأقول الحمد لله الذي هداها، فأتفاجأ بعدها في أدنى مشكلة تحصل معي أنها أول من يشمت في وأول من يسبني ويسب زوجي. إلى الآن لم أجد تفسيرا لسبها لزوجي، وأنا إنسانة لا أرضى من أي شخص أن تطال يده أو لسانه على (والديّ أو زوجي). أشعر أن بها مرضا اسمه (أكره أختي ) . فما رأيكم؟ هل يحق لي أن أقاطعها ؟ وما الحل الأنسب لأني جربت كل الحلول بشهادة رب العالمين ووالديّ ولم ينفع معها شيء، لذلك قررت أن أقاطعها، وخاصة أن لساني الآن لا ينفك أن يضر الآخرين لا أدري إن كان حملي هو السبب أم لا.. فأنا في شهوري الأخيرة.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا يجوز لك مقاطعة أختك لمجرد خلاف حصل بينكما، ولا الامتناع من زيارة والديك من أجل ذلك، والواجب عليك مداومة برّ والديك وصلة أختك بما لا يترتب عليه ضرر في دينك أو دنياك، فقد نهى الشرع عن التدابر والهجران بين المسلمين، وكلما طال الهجر كان الإثم أشد، فعن أبي خراش السلمي، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من هجر أخاه سنة، فهو كسفك دمه. رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني.

وإذا كان التدابر والهجران بين الأخوات من النسب كان ذلك أشد، فإن قطع الرحم من الكبائر، وقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بصلة الرحم حتى لمن يقطعها، فعَنْ عبد الله بن عمرو عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا. رواه البخاري.

واعلمي أن ما تجدينه في صدرك نحوها إنما هو من نزغات الشيطان، فإنّ من أعظم مقاصد الشيطان إيقاع العداوة بين المسلمين وحصول التدابر والتباغض بينهم، ولذلك أرشد القرآن العباد أن يقولوا في تخاطبهم وتحاورهم الكلام الحسن الطيب حتى لا يدعوا مجالاً للشيطان ليفسد بينهم، قال تعالى: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا. {الإسراء: 53}. والذي ينبغي عليك أن تستعيذي بالله من نزغات الشيطان وتحسني الظن بها وتعامليها بالمعروف، ومن أنفع ما يعينك على التخلص مّما تجدينه نحوها ألا تستسلمي لما يلقيه الشيطان في قلبك نحوها، وكلما وسوس لك الشيطان بسوء نحوها تقابلي ذلك بالدعاء لها بخير، فإن ذلك بإذن الله يردّ كيد الشيطان، واعلمي أنّ مقابلة السيئة بالحسنة مما يجلب المودة ويقي شر نزغات الشيطان، قال تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34}

كما أنّ المبادرة بالكلام الطيب ولو تكلّفا مما يذهب الأحقاد ويجلب المحبة، قال الغزالي: بل المجاملة تكلّفا كانت أو طبعا تكسر سورة العداوة من الجانبين وتقلّل مرغوبها وتعوّد القلوب التآلف والتحاب. إحياء علوم الدين. (4 / 349).

واعلمي أنّ في العفو عن المسيء خيراً عظيما وأنه يزيد صاحبه عزاً وكرامة، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزا. وهو سبيل لنيل عفو الله ومغفرته، قال تعالى: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {النور:22}.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني