الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم وصف النفس بالمعايب ورفض دعاء الناس لها

السؤال

ماهو حكم قول المسلم على نفسه بأنه حقير ورخيص وعاق ووضع مثل هذه العبارات بجانب اسمه في المنتديات؟ وحكم رفضه لمن يناديه بالغالي مثلا أو يدعو له بحجة أنه لا يستحق و ليس أهلا للمدح؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فينبغي أن نفرق بين الشعور الذي يغمر النفس ويرسخ في القلب، وبين ألفاظ اللسان التي لا تخرج عن معنى السب والشتم والعيب.

فمن ناحية، ينبغي للمسلم أن ينظر لنفسه دائما بعين النقص ويحتقرها في ذات الله تعالى، ولا يرى لها فضلا على أحد من المسلمين، وهذا من معاني التواضع والإخبات، وهو من الأخلاق الحميدة النافعة التي لا يستغنى عنها، وراجعي في ذلك الفتويين: 127717، 54512.

وأما سب النفس وعيبها وشتمها، فمما ينهى عنه؛ لثلاث اعتبارات:

ـ الأول: أنه من جملة الفحش والطعن والبذاءة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء. رواه الترمذي وحسنه وأحمد، وصححه الألباني. وقال صلى الله عليه وسلم: سباب المسلم فسوق. متفق عليه. ونفس المسلم من جملة المسلمين.

ـ الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: ليس لنا مثل السوء. رواه البخاري. فينبغي للمسلم أن يتنزه عن وصف نفسه بالأوصاف الذميمة ولو كانت حاصلة، ومن لطيف ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يقولن أحدكم: خبثت نفسي. ولكن ليقل: لقست نفسي. متفق عليه. مع أن المراد باللفظين هنا واحد.

قال القاري في (المرقاة): كره النبي أن يضرب المؤمن لنفسه مثل السوء، ويضيف الخبث ـ الذي يطلق على خباثة النفس وسوء الخلق كما يطلق على الغثيان ـ إلى نفسه. اهـ.

ـ الثالث: أن هذا مدخل من مداخل الرياء الخفي، فإن الإنسان قد يذم نفسه بين الناس يريد بذلك أن يظهر تواضعه في نفسه، فيرتفع بذلك عندهم ويمدحونه، ولذلك قال مطرف بن عبد الله: كفى بالنفس إطراء أن تذمها على الملأ كأنك تريد بذمها زينتها وذلك عند الله سفه. وقال الحسن البصري: "من ذم نفسه في الملأ فقد مدحها.

وأما رفض المرء دعاء الناس له بحجة أنه ليس أهلا لذلك، فمن العجائب المستهجنة؛ فإن الدعاء خير محض، لا يصلح رفضه بحال. ثم إن الدعاء للكافر المحارب بما يناسب حاله كهدايته وإعزاز الإسلام به ـ مما يُقبل ويُحمد، فضلا عن ورود السنة به، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب. رواه الترمذي وقال: حسن صحيح. وأحمد. وصححه الألباني.

فكيف بالدعاء للمسلم ولو كان عاصيا بل ومقترفا للكبائر. ومن ذلك ما رواه أبو أمامة قال: إن فتى شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ائذن لي بالزنا. فأقبل القوم عليه فزجروه قالوا: مه مه. فقال: ادنه. فدنا منه قريبا فجلس. قال: أتحبه لأمك ؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم ... الحديث، وفيه: فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه. رواه أحمد وصححه الألباني.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني