الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حزن القلب هل ينافي الرضا بالقضاء

السؤال

أنا مبتلى بإعاقة نفسية منعت عني الدنيا كلها ـ لا شهادة ولا عمل ولا زواج ـ وأنا والله راض ومقتنع مائة في المائة بهذا القضاء، ولكنني أحزن في بعض الأحيان، وكثيراً ما أقع في النظر المحرم، فهل هذا ينافي الرضا والصبر؟ أم أن ابتلائي سيضيع هباء بسبب المعاصي؟ وهل سيعوضني الله عن ذلك؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن الرضا بالقدر مطلب عظيم ومأمور به على سبيل الاستحباب، وقيل على سبيل الوجوب، كما قال ابن القيم وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: اللهم إني أسألك الرضا بعد القضاء.

رواه أحمد، وقال الألباني في ظلال الجنة: صحيح لغيره.

وقد فسر القشيري الرضا: بترك التسخط.

وقد ذكر شيخ الإسلام في التحفة العراقية: أن الحزن على المصيبة معفو عنه إذا لم يقترن به ما يكرهه الله.

وقال ابن القيم في المدارج: والرضا بالقضاء الكوني القدري الموافق لمحبة العبد وإرادته ورضاه من الصحة والغنى والعافية واللذة أمر لازم بمقتضى الطبيعة، لأنه ملائم للعبد محبوب له فليس في الرضى به عبودية، بل العبودية في مقابلته بالشكر والاعتراف بالمنة ووضع النعمة مواضعها التي يحب الله أن توضع فيها وأن لا يعصى المنعم بها وأن يرى التقصير في جميع ذلك، والرضى بالقضاء الكوني القدري الجاري على خلاف مراد العبد ومحبته مما لا يلائمه ولا يدخل تحت اختياره مستحب وهو من مقامات أهل الإيمان وفي وجوبه قولان وهذا كالمرض والفقر وأذى الخلق له والحر والبرد والآلام ونحو ذلك.

انتهى.

وقال ابن القيم في المدارج ـ أيضاً: وليس من شرط الرضى أن لا يحس بالألم والمكاره، بل أن لا يعترض على الحكم ولا يتسخطه، ولهذا أشكل على بعض الناس الرضى بالمكروه وطعنوا فيه، وقالوا: هذا ممتنع على الطبيعة، وإنما هو الصبر وإلا فكيف يجتمع الرضى والكراهية وهما ضدان؟.

والصواب: أنه لا تناقض بينهما وأن وجود التألم وكراهة النفس له لا ينافي الرضى كرضى المريض بشرب الدواء الكريه، ورضى الصائم في اليوم الشديد الحر بما يناله من ألم الجوع والظمإ، ورضى المجاهد بما يحصل له في سبيل الله من ألم الجراح وغيرها.

انتهى.

واعلم أنه ذكر بعض أهل العلم أن الرضى لا يلزم منه الرضى بالمقضي، بل يشرع للعبد أن يسعى في إزالة ما حصل له فيعالج المرض بالتداوي، ويعالج الكرب والهم بالسعي في تفريجه، ويعالج الفقر بالتكسب، فيحرص العبد على ما ينفعه ويرضى بقضاء وقدر الله أولاً وآخراً، ففي حديث مسلم: أحرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل.

وبهذا يعلم أن حزن القلب لا ينافي الصبر إن لم يكن هناك تسخط على القدر، وأما التسخط على القدر فهو ممنوع شرعاً، وأما المعاصي فيعاقب العبد عليها بقدرها ولا تبطل أجر الرضى بالقضاء والصبر على البلاء وعليك الدعاء وسؤال الله أن يصرف عنك ما تشتكي منه، وراجع في اكتساب منزلة الصبر والوسائل المعينة عليه في خطر النظر للحرام وما يساعد على التخلص منه وفي المزيد عما تقدم الفتاوى التالية أرقامها: 41098، 28045، 61485، 70891، 32180، 73010، 69805، 55928، 93857.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني